الانتساب إلى القبيلة بالفحص الجيني

01:04 صباحا
قراءة 3 دقائق
د . عارف الشيخ
في البداية يجب أن نعلم يقيناً بأن الادعاء في النسب لا يغير من الحقيقة شيئاً، والإسلام حذرنا من الزيف، فالقرآن الكريم قال: "ادعوهم لآبائهم" .
وفي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام" (رواه البخاري ومسلم) .
وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام: "كفى بالمرء تبرؤ من نسب وإن دق، وادعاء نسب لا يعرف" (رواه أحمد والطبراني) .
- نعم . . نحن لا نطعن في أنساب الناس، ولا نكذب أحداً، لكن إذا وجد مانع شرعي أو عقلي، فإن التصديق يكون مستحيلاً .
- لذلك فإن هيئة الفتوى في الكويت فرقت بين مدعي النسب والمقر به، وقالت بأن الأخذ بنتيجة الفحص الجيني في حال إثبات النسب حرام، سواء كانت النتيجة ثبتت بدلالة قطعية أم دلالة ظنية .
- وفي حالة نفي النسب فإذا كان قطعي الثبوت بإقرار المسلمين العدول أهل الاختصاص في فن فحص الجينات فإنه يعد مانعاً لثبوت النسب، وإذا كان ظني الدلالة فلا .
- أقول إن كثيرين اليوم يلجأون إلى الفحص الجيني لإثبات النسب أو نفيه، لكن ينبغي أن نفرق بين من يفعل ذلك لتصحيح انتمائه إلى القبيلة الفلانية، ومن يفعله لإثبات نسبه إلى أبيه القريب .
- فالأخير ممكن شرعاً وعقلاً، لأن المقارنة بين جينات حاضرة للعيان، وأما المقارنة بين جينات شخص يعيش اليوم بين أظهرنا، وجينات قيس عيلان مثلاً، فكيف يكون ذلك وبينهما آلاف السنين؟
- ولعلك تقول بأن الفاحص يقارن بين شخص حي وأحياء آخرين من أحفاد قيس عيلان، لأنهم امتداد له، وقد أخذوا منه الجينات الوراثية بالتعاقب .
- لكن من خلال الفحوص التي أجريت على فخوذ القبائل الشهيرة مثل تميم وشمر وقحطان وعدنان وربيعة وغيرها، وجد أن كثيراً من أفراد هذه القبائل لا يلتقون في جد واحد .
- والسبب أن دخلاء انتسبوا إليها، ومن ثم تغير مجرى الانتماء الصحيح، وهذا الخلط ليس حاصلاً في العرب فقط، بل حتى في الشعوب الأخرى، فلا تستغرب إذا قيل بأن فلاناً ليس عربياً، أو أن فلاناً ليس من القبيلة الفلانية أصلاً، لأن النسب شيء والانتساب شيء آخر .
- لذا فإن الذي يتحرى الصدق والأمانة والستر على الناس، لا يلجأ إلى الفحوص الجينية التي تخضع للأخطاء البشرية .
- فالفحص الجيني وإن كان دقيقاً من حيث المبدأ العلمي، إلا أن الجينات فصائل كما أن الدماء فصائل، والجينات الوراثية ثابتة في كل سلالة يورثها الأب إلى أحفاده .
- هذا إذا لم تختلط الأنساب من خلال دخول الدخلاء الموالي والمحسوبين، أو من خلال التلوث والعبث البشري أثناء الفحص المخبري .
- ومن هنا فإن كثيراً من الطوائف اليوم في الشرق والغرب والشمال والجنوب، تدور حولهم الشكوك، هل هم عرب أم بربر؟ أو هل هم أشراف، أم أنهم كذا وكذا؟ والسبب أنهم لم يبقوا على حقيقتهم، فالأفضل ألا تعود أنت إلى الحقيقة بالفحص الجيني الذي قد يكشف لك عن مفاجآت أنت في غنى عنها، وتكون المفاسد أكثر من المصالح، وأنت لا تستطيع إصلاح مفاسد آلاف السنوات بنتائج فحوص مختبرية ظنية الدلالة .
- إذاً القبيلة شيء، والحلف شيء، وكلاهما أقره العرب منذ الجاهلية وحتى الإسلام، شريطة أن تبقى القبيلة قبيلة والحلف حلفاً، وكل ينتسب إلى أبيه .
- ومما ذكره أهل الاختصاص أيضاً أن الفحص الجيني الذي يجري للكروموزوم "Y" هو في الذكور فقط، وينتقل من الأب إلى الأبناء، ولا يمكن إجراء هذا الفحص للإناث لعدم وجود "الواي" في الإناث .
- "فالواي" يأتي من مصدر واحد هو الجد إلى الأب إلى الأحفاد الذكور، بخلاف "الإكس" الذي يأتي من أربعة مصادر: من الجد والجدة والجد الآخر والجدة الأخرى، وهذا الذي جعل الفحص الجيني عن طريق الأنثى صعباً .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"