تسديد الدين عند تغير السعر

02:09 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

سألني سائل فقال: أنا تسلفت من أحد الأصدقاء مبلغاً وكان سعر العملة في ذلك اليوم مرتفعاً، واليوم نزل سعرها كثيراً، فسددت ديني بعملة الحاضر فلم يقبل مني، فما الحكم؟

قلت له: من حقه ألا يقبل، لأن الأصل أن يكون تسديد الدين بمثل المبلغ وبمثل العملة وبمثل سعر ذلك اليوم الذي اقترضت فيه، والمسلمون عند شروطهم.
نعم، ربما تقول لي: إن هذا هو سعر العملة اليوم، فاقترضت بالدرهم، وسددت بالدرهم، وهذا القول صحيح منك، لكن بما أن سعر الدرهم نزل نزولاً فاحشاً، فإن ضرراً كبيراً يقع على صاحبك الذي اقترضت منه، إذ ربما يحصل على نصف حقه.
لذلك، فإنه من حقه أن يطالب بسعر يوم الاقتراض لأنه أصل متفق عليه بين الفقهاء، ذلك أن أصل التعامل يكون بالنقدين الذهب والفضة.
وما هذه الأوراق أو العملات الورقية، إلا تمثيل للنقدين المعتمدين في أصل الشريعة كقيمة ثابتة.
فالعملة الورقية سواء كانت ديناراً أو درهماً أو جنيهاً أو دولاراً، هي نقود اعتبارية كما تقول المجامع الفقهية المعتبرة، وفيها صفة الثمنية، وحتى في الزكاة نتعامل معها على أساس أصلها المعتمد ذهباً أو فضة.
إذاً، الأصل الذي يجب أن يعتمد هو رد المثل، ولا اعتبار لتغير القيمة يوم الدين أو يوم السداد، فالدين مال له قيمة، وهذه القيمة لا تتأثر إذا غلت الأشياء أو رخصت.
يقول ابن عابدين في رسالته «تنبيه الرقود على مسألة النقود»: «فإنه لا يلزم لمن وجب له نوع منها سواه بالإجماع».
ويقول الشيرازي من الشافعية في «المهذب»: «ويجب على المستقرض ردّ المثل فيما له مثل، لأن مقتضى القرض رد المثل».
ويقول ابن قدامة الحنبلي في «المغني»: «المستقرض يرد المثل في المثليات، سواء رخص سعره أو غلا أو كان بحاله».
وقال أيضاً: «ويجب رد المثل في المكيل والموزون ولا نعلم فيه خلافاً».
نعم، ولو كان الدين الثابت في الذمة عملة ورقية معينة، ثم سقطت هذه العملة وبطل التعامل بها، فإنه في هذه الحال يصار إلى القيمة، وينظر إلى يوم قبض الدين أيضاً أو ثبوته في الذمة، ويسدد بأي عملة قائمة أخرى.
وقد وردت في الفتاوى السورية المبنية على المادة: 695 من «مرشد الحيران على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان» ما يلي: «إذا استقرض مقداراً معيناً من الفلوس الرائجة، والنقود غالبة الغش، فكسدت وبطل التعامل بها، فعليه رد قيمتها يوم قبضها لا يوم ردها».
إذاً، القول الأول في تسديد الدين أن الرد بالمثل يكون سواء غلا السعر أو رخص لأن الثمنية ثابتة ولا تتأثر.
والقول الثاني أن ينظر إلى نسبة التغير، فإذا كان التغير في حدود ثلث السعر أو أكثر واختلفا عليه، فإنه يفترض أن يتحمل كل من المقرض والمقترض جزءاً من الخسارة، لأنه «لا ضرر ولا ضرار».
والفقهاء قاسوا مثل هذا الضرر على الحوائج (الآفات غير الآدمية التي تصيب الثمار) (انظر توصيات الندوة الفقهية التي عقدها مجمع الفقه الإسلامي بجدة بالتعاون مع مصرف فيصل الإسلامي في البحرين عام 1420 ه الموافق 1999 من الميلاد).
والخلاصة أنه عند تغير الأسعار تغيراً فاحشاً يؤخذ بأحد الحلول الثلاثة: الصلح، وإذا تعذر فلجنة تحكم وحكمها ينفذ، وإلا فللقضاء أن يفصل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"