صوم يوم الجمعة

02:38 صباحا
قراءة 3 دقائق
ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله يوماً أو بعده" (رواه البخاري ومسلم)
فهم بعضهم من هذا الحديث حرمة صوم يوم الجمعة في غير رمضان، حتى لو صادف قضاء فائت أو صوم سنة، لكن الصحيح هو جواز صيام يوم الجمعة منفرداً لقضاء ما عليك من الصيام الواجب باتفاق العلماء .
ويجوز صيامه منفرداً تطوعاً من غير أن يصادف قضاء فائت، ففي موطأ الإمام مالك أنه قال: "لم أسمع أحداً من أهل العلم والفقه ومن يقتدي به، ينهى عن صيام يوم الجمعة، بل صيامه حسن" .
إذن قيل عن الحديث السالف الذكر بأنه محمول على أن الرسول صلى الله عليه وسلم خاف من أن يفرض على أمته، وقد ذكر الشيخ محمد عليش رحمه الله في منح الجليل قوله:
"وجاز صوم يوم الجمعة فقط لا قبله يوم ولا بعده يوم، فإن ضم إليه آخر فحسن ولا خلاف في ندبه، والنهي الوارد في الحديث محمول على التقية من فرضه، كما اتقى صلى الله عليه وسلم قيام رمضان، أي صلاة التراويح عندما دخل وصلاها في بيته" .
ثم يقول الشيخ عليش: "وقد أمنّا من هذه العلة بوفاته صلى الله عليه وسلم، لذا يذكر أن ابن رشد رحمه الله تعالى من فقهاء المالكية في المغرب كان يصومه إلى أن مات" .
أما ابن قدامة رحمه الله تعالى من الحنابلة فيقول: "يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم، إلا أن يوافق ذلك صوماً كان يصومه مثل من يصوم يوماً ويفطر يوماً، فيوافق صومه يوم الجمعة، ومن عادته صوم أول يوم من الشهر أو آخره أو يوم نصفه" (انظر المغني ج 3 ص 53) .
ويقول الإمام النووي رحمه الله تعالى من الشافعية: "يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم، فإن وصله يصوم قبله أو بعده أو وافق عادة له، بأن نذر صوم يوم شفاء مريضه، أو قدوم زيد، فوافق الجمعة لم يكره" (انظر المجموع ج 6 ص 479) .
خلاصة القول إن الأحاديث الواردة هي الحديث الذي ذكرناه، وكذلك الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم" .
وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على جويرية بنت الحارث رضي الله تعالى عنها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: تريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري .
جمهور العلماء فهموا من هذه الأحاديث أن إفراد الجمعة بصوم مكروه، لكن إذا صام فيه قضاء فائت، أو صادف عادة له، أو صادف عاشوراء مثلاً فلا كراهة، لأنه صوم له سبب .
وفي كتاب "فتح الباري على صحيح الإمام البخاري" رحمه الله، يقول ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى: "يستثنى من النهي من صام قبله أو بعده أو اتفق وقوعه في أيام له عادة، كمن يصوم أيام البيض، ويؤخذ منه جواز صومه لمن نذر يوم قدوم زيد مثلاً أو يوم شفاء فلان" .
والخلاصة أنهم متفقون على جواز صوم الجمعة منفرداً إذا صادف مناسبة شرعية، ولا يخطأ كذلك من أفرده بالصوم من غير سبب .

د . عارف الشيخ

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"