فلسفة “للذكر مثل حظ الأنثيين”

عالم متجدد
02:57 صباحا
قراءة دقيقتين
د . عارف الشيخ
قلنا في مقال سابق إن المغرضين اتهموا الإسلام بعدم إنصاف المرأة عندما جعل للرجل سهمين في الميراث، وجعل لها سهماً واحداً، في حين أن الله تعالى قرر ذلك في القرآن الكريم الذي هو دستور العباد شاءوا أم أبوا، فقال: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين" . (الآية 11 من سورة النساء) .
اتهامهم الإسلام بالظلم لا شك أنه دعوى باطلة من الأساس، لأن القرآن الكريم كلام رب العالمين، والله تعالى متصف بأنه أحكم الحاكمين .
ولقد بيّنا في المقال السابق أن الرجل عليه تبعات مالية كثيرة، ما جعل الإسلام ينظر إليه نظرة أخرى، ففلسفة "للذكر مثل حظ الأنثيين"، أو فلسفة الميراث عموماً ليست مبنية على معيار الذكورة والأنوثة، وهو معيار عنصري بحت .
وإنما الإسلام عندما أوجد هذا التفاوت بين الرجل والمرأة في الميراث، حكّم في ذلك معايير أخرى، من أبرزها المعايير الثلاثة التي بيّنها الفقهاء وهي: درجة القرابة بين الورثة، وموقع الجيل الوارث، والعبء المالي الملقى على الوارث .
انظر إلى المعيار الأول وهو درجة القرابة، تجد أن الأنصبة تتغير إلى الزيادة، كلما اقتربت الصلة بين الوارث والمتوفى، وليست قاعدة "للذكر مثل حظ الأنثيين" هي السائدة .
وهذا يعني أن الزيادة لا تكون لمجرد جنس الوارث ولكونه ذكراً، بدليل أن البنت إذا انفردت أخذت نصف التركة، في حين أن الأب يأخذ السدس مثلاً .
ثم انظر إلى ما بين الأجيال من الفروقات الزمنية، فجيل البنات مثلاً غير جيل الأمهات، بمعنى أن البنت تأخذ النصف مثلاً، في حين أن الأم تأخذ السدس، مع العلم بأن الأم جعل الله تعالى لها من الحقوق في مكان آخر ثلاثة أضعاف حق الأب، وذلك عندما قرر الحقوق والعقوق .
بل والبنت ترث أكثر من الأب وهي لا تزال طفلة رضيعة في المهد، والابن يرث أكثر من الأب، حيث ينفرد بالباقي بعد سدس الأب .
وبعد هذين المعيارين ينظر الإسلام إلى العبء المالي الذي يثقل كاهل الذكر أكثر من الأنثى، وهذا المعيار لم يعممه القرآن الكريم على جميع الوارثين، بل حصره في الأولاد، قال تعالى: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين" .
والخلاصة أن شبهة المفترين باطلة، لأن التفرقة ليست مبنية على الذكورة والأنوثة وحدها، بل لسببين أقوى من سبب الذكورة والأنوثة كما بيّنا .
ثم إن التفرقة لم تعمم على الورثة كلهم بل على الأولاد فقط، والأولاد هم إخوة وأخوات، والابن وهو الأخ بعد وفاة الأب يتولى مسؤولية الإنفاق والتربية والرعاية لا على مستوى بيته وعياله، بل على مستوى إخوته الصغار وسائر أرحامه .
والعبء المالي لا شك في أنه يرهق كاهله وحده، في حين أن البنت وهي الأخت تأخذ نصيبها ولا تفكر في أحد غير نفسها لماذا؟ لأن غيرها سواء كان زوجاً أو أخاً مسؤول عن الإنفاق عليها، فأين الظلم؟_
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"