هل يجوز للمسلم التصدق بجميع ماله؟

00:56 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

الإنفاق في سبيل الله تعالى محمود ومطلوب، لكن رغم أن الإسلام يحب من المسلم أن يبذل ماله في وجوه الخير، فإنه يحب أن يبقي منه قدراً لنفسه ولمن يعول.

- والآيات وردت حول هذا المعنى، قال الله تعالى: «الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون» (الآية 3 من سورة البقرة).
- عن قوله تعالى: «ومما رزقناهم ينفقون»، يقول الشيخ الشنقيطي في تفسيره: عبر الله تعالى في هذه الآية بمن التبعيضية الدالة على أنه ينفق لوجه الله تعالى بعض ماله لا كله، ولم يبين هذا البعض الذي ينبغي إنفاقه والقدر الذي ينبغي إمساكه.
ولكنه بين في مواضع أخرى أن هذا القدر هو الزائد على الحاجة، قال تعالى: «ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو» (الآية 219 من سورة البقرة) والعفو هو الزائد على قدر الحاجة وهذا هو مذهب الجمهور (انظر أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ج 1 ص 51).
- أما ما ورد عن سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أنه أنفق جميع ماله، فهي قصة مشهورة رواها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال: «أمرنا رسول الله يوماً أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، فجئت بنصف مالي، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ فقلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله.
يقول عمر: قلت: لا أسابقك إلى شيء أبداً «رواه أبو داوود والترمذي والحاكم».
يقول الخطابي: وإنما لم ينكر الرسول صلى الله عليه وسلم على أبي بكر رضي الله تعالى عنه خروجه من ماله أجمع، لما علم من صحة نيته وقوة يقينه، ولم يخف عليه الفتنة، (انظر معالم السنن ج 2 ص 78).

- ويقول ابن عابدين: «ومن أراد التصدق بماله كله، وهو يعلم من نفسه حسن التوكل والصبر عن المسألة فله ذلك، وإلا فلا يجوز، ويكره لمن لا صبر له على الضيق أن ينقص نفقة نفسه عن الكفاية التامة» (انظر رد المختار على الدر المختار ج 2 ص 371).

- ويقول ابن حجر: قال الجمهور: من تصدق بماله كله في صحة بدنه وعقله، حيث لا دين عليه ولا عيال له أو له عيال يصبرون، فذلك جائز، وإن فقد شيء من هذه الشروط كره، وقال بعضهم: هو مردود (انظر فتح الباري لابن حجر ج 4 ص 45).

- وهناك من يوصي بجميع ماله في الخير ولا وارث له فهل ذلك جائز؟
يقول العلماء: لا تجوز الوصية لمن له وارث بأكثر من الثلث لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، إلا إذا أجاز الورثة أنفسهم بذلك.
- وأما من لا وارث له فللعلماء رأيان:

1- تجوز وصيته بماله كله، لأن النهي كان لمنع الإضرار بالورثة، لقوله عليه الصلاة والسلام: إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس، قال بهذا ابن مسعود وهو مذهب الحنفية والحنابلة، ورجح هذا القول ابن القيم.

2- الوصية بكل المال باطلة، سواء كان له ورثة أم لا، واحتجوا بالحديث الذي قيد الموصي بالثلث.

- أقول: وينبغي أن نيسر الدين للناس، فيكفي أن يفكر المسلمون اليوم في توجيه أموالهم إلى الخير في حياتهم أو بعد مماتهم.
إذ ربما مات بعضهم ولا وارث له، وكان في حياته يجد من يشجعه على إنفاق ماله في الملذات والشهوات، بحجة أنه لا وارث له، فهو أولى بماله، حتى مات وخلف أموالاً طائلة، لكنه لم ينفق منها في حياته في الخير شيئاً، ولم يهب في حياته لأحد شيئاً. ولما مات لم يجدوا له وصية لا بالثلث ولا بأقل ولا بأكثر فصار المال وبالاً عليه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"