هل يعتبر «عمرك الله» قسماً ؟

01:38 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عارف الشيخ
ذكر لي بعضهم الآية الكريمة: «لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون» (الآية 72 من سورة الحجر).

ثم ذكر لعمر بن أبي ربيعة قوله:
أيها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت وسهيل إذا استقل يمان
وقال لي بعد ذلك: هل المراد بقوله لعمرك هنا القسم؟ وإذا كان قسماً فلماذا أجزتم لعمرك ولم تجيزوا وحياتك؟
قلت: إن المسألة فيها تفصيل، لقد اختلف السلف والخلف في معنى «عمرك الله» و«لعمرك»، فللقدماء نقرأ قول الراغب الأصفهاني في كتابه «المفردات» ص 586: «والعُمر بضم العين والفتح واحد، لكن خص القسم بالعمر بالفتح دون الضم».
ويقول ابن الأثير في كتاب «النهاية في غريب الحديث»: «وفي الحديث أنه اشترى من أعرابي حمل خيط، فلما وجب البيع، قال له: اختر، فقال الأعرابي: عمرك الله بيعاً، أي أسأل الله أن يعمرك وأن يطيل عمرك.
والعمر بالفتح العمر، ولا يقال في القسم إلا بالفتح، وبيعاً منصوب على التمييز، وإذا قيل: لعمرك أو لعمر الله، فإنه مبتدأ والخبر محذوف تقديره لعمر الله قسمي واللام للتأكيد، وإذا لم تأت بالأمر قلت بنصب المصدر فقلت: عمر الله (بفتح الراء) أو عمرك الله، أي بإقرارك الله.
ويقول القرطبي في تفسيره: «والعمر بضم العين وفتحها لغتان ومعناهما واحد، إلا أنه لا يستعمل في القسم إلا بالفتح لكثرة الاستعمال، فتقول عمرك الله أي أسأل الله أن يعمرك».
ثم يقول: «وكره كثير من العلماء أن يقول الإنسان: لعمري، لأن معناه وحياتي، فقد روي عن إبراهيم النخعي أنه قال: «يكره للرجل أن يقول لعمري، لأنه حلف بحياة نفسه».
وقال الإمام مالك: «إذا كان الله -سبحانه وتعالى- أقسم به في قصة لوط عليه السلام، فذلك بيان لشرف المنزلة والرفعة، ولا يحمل عليه سواه ولا يستعمل في غيره».
وفي المدونة أن سحنون قال لمالك: «أرأيت قوله: لعمري، أتكون يميناً؟»، قال مالك -رحمه الله تعالى- : «لا تكون يميناً».
وفي كتاب «المغني» لابن قدامة أن الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله- سئل عن لعمري بالرفع، فقال: ليس بيمين.
ويقول العيني الحنفي في «عمدة القاري شرح البخاري»: «وإذا قال: لعمري، فقال الحسن البصري: عليه الكفارة إذا حنث، ويقول سائر الفقهاء لا كفارة فيها، لأنها ليست يميناً عندهم».
ويبدو أن هناك ثلاثة أقوال في المسألة: قول يجيز، لأن لعمري أو لعمرك هو أسلوب العرب في مخاطباتهم، فهو وإن كان يفهم منه اليمين إلا أنه جار على ألسنة العرب، ولا يراد به حقيقة القسم بغير الله تعالى.
ويقول الشيخ بكر أبو زيد: «والتوجيه أن يقال إن أراد القسم منه وإلا فلا» (انظر معجم المناهي اللفظية ص 471).
ويقول العلامة محمد أمين الشنقيطي في تفسير آية «لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون»: «لعمرك معناه أقسم بحياتك، والله تعالى له أن يقسم بما شاء من خلقه، ولا يجوز لمخلوق أن يحلف بغير الله تعالى» (انظر أضواء البيان ج2 ص 189). والقول الثالث الكراهة وهو ما ذهب إليه القرطبي والشوكاني وغيرهما كما ذكرنا قبل قليل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"