«كثر الله أعداءك»

01:58 صباحا
قراءة 3 دقائق
تتردد هذه العبارة على لسان بعض الأمهات حين يبدأ يوم جديد، وينوي ابنها الخروج في رحلة بحث عن الرزق، ومتابعة الجري خلف رغيف البقاء، وهي: «كثّر الله أعداءك»، وهذه العبارة قد تبدو غريبة، وكأنها دعوة على الابن، فأعداء الحياة كثر، وكل منهم يسلك منهجاً أو يحاول اصطياد فرصة للإيقاع بخصمه، وهذا لا يكون إلا مع منافس قوي أو حاسد غيور، والحسد جمرة مشتعلة تأكل بعضها، ولذلك قال الشاعر:

اصبر على كيدِ الحسودِ فإنَّ صبرَك قاتلُهْ

                    فالنار تأكلُ بعضَها إن لم تجد ما تأكلُهْ

نجاحات الإنسان المتتالية لا تأتي إلا من خلال جهد متواصل وتعب مستمر، وللوصول إلى نتيجة مرضية لا بد أن يرافقها بعد توفيق الله نية سليمة صادقة مخلصة، ومحاولة الوصول لأقصى درجات الإتقان في العمل، والصبر على مراحله، وعلى أذى الظروف التي تحاول أن تثني العزيمة أو تكسر مجاديف الرحلة، لأن الصبر مفتاح الفرج كما قيل، ويقول آخر عن بلوغ المنال وتحقيق الطموح:

فالصبرُ مفتاحُ النجاحِ ولم نجدْ

               صعباً بغيرِ الصبرِ يبلغُهُ الأملْ

لن يكون طريق النجاح ممهداً ومفروشاً بالورد، ولن تمر سفينة المجتهد من دون عواصف أو أمواج تحاول رميها مهشمة على الشاطئ أو إغراقها، لكن هذه النكبات أو الأهوال تصغر في عين من يمتلك العزيمة على العمل، ويحاول اجتيازها من أجل غاية أسمى، والمتنبي يقول:

وتَعظُمُ في عَينِ الصّغِيرِ صِغارُها

                    وتَصغُر في عَينِ العَظِيمِ العَظائِمُ

والهمم العالية لا تأتي إلا من خلال نفس تواقة طموحة للبناء، وإيمان الشخص بأنه جزء من مجتمعه، وعليه أن يبذل ما يستطيع، وأن يكون عمله رسالة يحملها إلى غيره لتحقيق ما يتطلع إليه الناس.

سيجد المجتهد من يقف ضد مشروع أو فكرة يريدها، وسيلقى من يقلل من قيمة مقترحه أو طموحه، ومن يمر على لوحته ليرسم عليها دوائر أو خطوطاً تجعلها مشوهة لا يقف أحد عندها، ومن ينقل عنه غير الواقع بلسان يقطر عسلاً، وهو يريد بذلك السم قتل مشروع أو خطوة أو هدف أو طموح.
صحيح أن الوصول إلى قمة الشيء قد يبدو صعباً، أو يكاد يكون مستحيلاً، فليس هناك جهد بشري كامل، وأذواق البشر لا يمكن إرضاءها كلها، لكن هذا لا يعني الركون إلى التراخي والتكاسل وصرف النفس عن مواصلة العطاء، فالتوقف قد يضر بقدرات الإنسان فتضعف لياقته وتترهل إمكاناته، وكلما كان دفع الضرر والأذى بالعمل الناجح كلما قويت النفس على الصمود، وليس أفضل من رد هذا بكلمة طيبة أو فعل حميد أو ابتسامة، فمثل هذه الأفعال قد تكون علاجاً ناجحاً لرد الحسد عن الشخص، ورسالة السماء تدعونا إلى دفع السيئة بالحسنة بقول الحق «وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
ليس هناك من يريد أن يخلق له أعداء، فالحياة جميلة بالمحبة، مع أن الضد يظهر حسنه الضد كما يقال، والشدائد تبين الصديق من نقيضه مثلما قال الشاعر:

جزى الله الشدائد كل خيرٍ

                   وإن كانت تُغصصني بريقي

وما شكري لها إلا لأني

                  عرفتُ بها عدوّي من صديقي

العمل الذي يفيد الناس سيبقى أثره طويلاً، ونجاحات الإنسان تأتي بعد احتراق ومكابدة وصبر، ودعوة تلك الأمهات تعني أنه كلما كثر الأعداء، كلما كان النجاح أكبر، ولكن ربما لا يكون جميلاً القول «كثر الله أعداءنا » إنما الجمال في التركيز على العمل مع طلب التوفيق من الله، ورد الأذى بدعوة محبة، ووردة قلب نقي ونفس صافية محبة للآخر.

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"