أحلام الشاعر وحزن القصيدة

00:18 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد عبدالله البريكي

يأتي الاحتفال باليوم العالمي، 21 مارس/ آذار، للشعر تتويجاً لمسيرته الوضاءة في التاريخ الإنساني، ودوره المؤثر في حياة الناس، وعلى الرغم من أن الاحتفال بهذا اليوم يذكّر العالم بأهمية الشعر والشعراء في تجميل وجه العالم، ورسم لوحات من المشاعر المضيئة في الوجود، إلا أن الشعر يقيم احتفاله اليومي على منصة الروح، ويدعو عشاقه ليشهدوا له بالعلو والسمو، هذا الاحتفال اليومي ينشده كل شاعر اعتزازاً بنفسه وقيمته، وإحساساً منه بذاته المتضخمة التي تشاغب حبات المطر المتساقطة في ليلة شتوية، أو في ليلة صيفية ترفرف فيها النسمات فوق وسادة الروح، ويستمر هذا الاحتفال في كل فصول السنة، فعند حلول الخريف يأبى الشعر أن تتساقط أوراقه، وتجف ظلاله، وفي الربيع يقف شامخاً بين الزهور يتلو مزاميره، ويخالط أصوات الطيور، ويدعو الكائنات جميعاً لتبارك له الصعود إلى عرش الشعر، إذاً فاليوم العالمي للشعر هو الذكرى التي تجعل الشاعر في حالة من الحيرى، لكنه في كل الأحوال يسعد بأجواء الاحتفالات التي لا تزيده إلا توقاً إلى الخلود، فهاجس الشاعر عبر كل العصور هو الوصول إلى محطات غير معلومة، ومن ثم الهبوط الاضطراري في أراضٍ مجهولة، والصعود إلى قمم غير مطروقة، والغناء في عوالم لم تكتشف بعد، وهمّ الشاعر أن يظل الاحتفال باليوم العالمي للشعر متجدداً في ذاته كل يوم وكل لحظة، فهذا هو قدر الشعراء أن يعيشوا في الحل والترحال في غربة الذات، وقلق الشعور، وأمل اللحاق بقطار الزمن للوصول إلى مدن الدهشة والوقوف على صورة الكمال.
أستحضر هنا ما قاله الشاعر عبدالرحمن شكري في قصيدة «الشاعر وصورة الكمال»: «لم يعشق الغيدَ ولكنَّهُ هام ببكرٍ من بنات الخيال/ صورةُ حسنٍ صاغها لبّهُ وحدُّها في الحسن حدُّ الكمال/فصارَ كالطفلِ رأى بارقاً هاج لهُ أطماعهُ في المحال».

هذه المثل التي عبّر عنها الشاعر في قصيدته المعبرة هي التي ترسم بحفاوة مستقبل الشاعر وإصراره على تحقيق أحلامه بطريقة مغايرة، فهو الطفل الملح بعفوية والمشاغب أملاً في تحقيق رغبة مجنونة، وهو المهتدي بالظلال والمتشبث بالبارق الذي يهيج طمعه ليقتطف وردة المحال، والذي يهوي من علياء السماء إلى تلال الأماني ليرصد هيامه بأبيات قصيدته، ويبحث من خلالها عن فاتنة أخرى لا تقيم بين الناس، ولا وجود لها في الحياة العادية، فالشاعر يبحث عن صورة فاتنة وفكرة فريدة ليعبر من خلالها إلى تحولات العالم وتقاويم الزمن وتأملات الروح، فهو صاحب رسالة سامية تحملها مراكب اللغة مجتازة عواصف اللوعة وأمواج المعاناة، لتخرج من بحر الشعر قصيدته المسكونة بماء القلب فتأسره أولاً وتذيب إحساسه ثم يعرضها على الناس ليرى أثره فيهم ويكمل لهم نبوءة المستقبل، وهنا يحضرني قول الشاعر محمود درويش: «قصائدُنا بلا لونٍ / بلا طعمٍ بلا صوتِ / إذا لم تحمل المصباح من بيتٍ إلى بيتِ / وإن لم يفهم البسطا معانيها/ فأولى أن نذرّيها / ونخلدَ نحنُ للصمتِ».

في اليوم العالمي للشعر يقف الزمن قليلاً في حضرة القصيدة التي تعد الميراث الأغلى للشاعر وهو ما يدعونا جميعاً معشر الشعراء إلى صون كرامة القصيدة والاهتمام بها شكلاً ومضمونا فهي تشكو من الجفوة وتشعر بغربة شديدة وتتألم في كثير من الأحيان وتبكي كطفل وتهرول وحيدة في شوارع الوحدة تخشى من مصير مؤلم وأن يقول الناس عنها إنها بلا فائدة لم تعد تلبي احتياجاتنا، وهي في اليوم العالمي للشعر باحت لي بالكثير من أسرارها وحكت لي عن حوادث أدمتها ولا أخفي أنني حاولت أن أهدئ من روعها فدعوتها إلى فنجان قهوة فتناولته وهي منكسرة النفس وطلبت مني أن يعتني بها الشعراء أكثر وأن يزينوها بأجمل الحلل ويزفوها إلى الجمهور كل يوم مثل عروس مفعمة بالحيوية والجمال، استمعت إليها وقلبي يدق فلم أر في حياتي كلها مثل هذا الشجن وقلت لها إن اليوم العالمي للشعر يحتفل بك الآن فلا داعي للدموع ومن الأفضل أن تذهبي إلى قاعات الشعر وتشاركي الشعراء هذه اللحظات التاريخية لكنها أبت وامتنعت وطارت من نافذة بيتي مثل حلم قديم وتركتني وحيداً أحمل في قلبي ألماً وأفكر في الطريقة التي أسعد بها القصيدة وأعيد إليها ضحكتها الجميلة وفرحتها المفقودة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"