المهرجانات وأنصاف الشعراء

03:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد عبدالله البريكي
لاتزال المهرجانات الشعرية تتواصل في معظم الدول العربية، رغم الظروف الصعبة والانتكاسات السياسية التي تمر بها، لكن وجه الأدب الناضر يشرق دائماً بالشعر النابض والقص الجميل، وما يحزن حقاً أن التركيز على الأسماء المعروفة سمة غالبة في هذه المهرجانات بدعوى ضمان نجاحها، وقلما نجد أسماء مغمورة مبدعة تعمر أروقتها، وإن وجدت فهي خافتة وضعيفة، ويبدو أنها حصلت على فرصتها عبر «المجاملة» والترشيحات التي تحكمها المصالح الشخصية. والسؤال المؤرق الذي يطرح نفسه: هل جفّ نبع المبدعين الجدد بخاصة في الساحة الشعرية؟! ولماذا التركيز على بعض الأسماء في الكثير من هذه المهرجانات؟!
مما لا شك فيه، أن الشعر العربي لم يخفت بريقه، على الرغم من رحيل النجوم من أمثال: نزار قباني، والسياب، ومحمود درويش، والفيتوري، والجواهري وغيرهم من الشعراء الكبار الذين مثلوا اتجاهات عدة في الشعرية العربية، وهو ما يؤشر إلى مستقبل زاهر في ظل وجود رعاة للأدب والشعر بوجه عام، وهنا نذكر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الذي غيّر وجه الأدب، واحتفى بالنابغين والمفكرين، وجعل الشارقة واجهة الإبداع العربي بلا منازع، فضلاً عن وجود محطات رئيسية لتقدير الشعراء الجدد، واكتشاف المواهب الحقيقية عبر منافسات برنامج أمير الشعراء، وجائزة البوكر العربي في أبوظبي وغيرها من المحطات الأخرى في كل ربوع الدولة، وهو ما يظهر الوجه الإبداعي للإمارات التي تحتضن أصحاب المواهب على اختلاف أعمارهم وجنسياتهم.
وعلى الرغم من أن هذه المحطات التي أعلنت عن أسماء جديدة تقف على أرض صلبة في الشعر خاصة، فإن الكثير من المهرجانات الشعرية فقيرة في جذب المبدعين، ومترهلة أيضاً وأصيبت بالعجز وأصبحت تقام لمجرد التقليد فقط، وهو ما يجعلنا في حاجة ماسة إلى تضافر الجهود كافة من أجل استثمار ما تقوم به الإمارات في مجال الكشف عن المواهب الإبداعية وتكريمها بشكل لائق، ولا أستطيع أن أغفل دور مهرجانات مهمة في المنطقة العربية ومدى نجاحها، لكن الأمر أبعد من ذلك بكثير، فأنا أتمنى أن يتم اختيار المبدعين لا على أساس الشهرة، ولكن على أساس الإبداع الحقيقي وقدرتهم على إضافة الجديد وإمتاع القارئ العربي، خصوصاً أن الهدف من إقامة مهرجان شعري هو في الأساس يتمثل في الكشف عن وجه المبدعين صغاراً كانوا أو كباراً، ولا أخفي أنني أتألم كثيراً عندما تحكم عمليات اختيار الشعراء في بعض المهرجانات «الشخصنة» ورد الجميل، دون الاحتكام إلى الضمير الأدبي وعدم الانسياق وراء تحقيق الرغبات الشخصية، فليس الشعر للرجال فقط ولا للنساء فقط، إنما للجنسين معاً دون النظر إلى اعتبارات تتعلق بجمال المرأة «نصف الشاعرة»، أو قوة علاقات الرجل «نصف الشاعر».
إن عملية الاختيار في تقديري يجب أن تكون متعلقة فقط بالإبداع، ومن ثم محاولة البحث عن مبدعين جدد لم يأخذوا حقهم في الانتشار، لتكون هذه المهرجانات محطة عبور للجمهور، وجسراً للشهرة والتألق في عالم الشعر، وبهذه الطريقة سيتجدد ماء الإبداع وتستعيد الحركة الشعرية توهجها كما كانت عليه في السابق.
إنني أحلم بأن تكون هناك عدالة في هذه المهرجانات، وأن يدرك القائمون عليها أن الأمانة تقتضي أن يعمرها أصحاب الإبداع الفذ لنتمكن من التواصل مع الأجيال، ونرى الجيل الجديد الذي يمتلك أدواته الإبداعية مستعداً لتحمل المسؤولية، ومن ثم يواصل هذه الرحلة ويؤدي دوره في المستقبل، لكيلا تتوقف حركة البحث عن الأفضل والأجود والأكثر موهبة وإبداعاً، فكم من شاعر موهوب يُطرح اسمه في مهرجان ما لكنه لا يجد فرصته، نظراً لأن القناعات لدى بعض المسؤولين عن هذه المهرجانات متجهة في ناحية أخرى، وغير قادرة على استيعاب المبدعين الجدد.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"