التسرب الوظيفي واقع في عالم الأعمال، وهي حالة تعانيها الكثير من بيئات العمل، وتؤثر في الإنتاجية وقوة الأعمال وديمومتها. ولا نبالغ عند القول إن قطاعات الأعمال قد تتأرجح المنجزات التي تحققها، صعوداً وهبوطاً، ومن بين الأسباب، التسرب الوظيفي الذي يكون نتيجة لعدم الموازنة بين طبيعة العمل والحافز المادي، أو بيئة العمل تكون قاسية، أو الأنظمة مغيبة أو هامشية، ما يسبب حالة نفسية متدهورة للموظف. وهناك أسباب تتعلق بالضبابية في مستقبل الموظف، لا رؤية للتطور، ولا الحصول على ترقيات أو مكافآت، أو أن يكون هناك عدم استقرار وظيفي، أو تهديد بالاستغناء. ودون شك أن القطاع الذي يعاني التسرب الوظيفي يعاني تذبذباً في الإنتاجية، والكفاءة، وأيضاً يعاني شحاً في الخبرات والكفاءات المدربة والماهرة، ويتعثر في تطبيق خططه التطويرية، وقد يعاني انخفاض الروح المعنوية لموظفيه.
مشكلة التسرب الوظيفي تكون أكثر وضوحاً في مجالات حيوية ومهمة، مثل القطاع الصحي، وقطاع التكنولوجيا، لأن أصحاب الخبرات والمهارات في مثل هذه القطاعات عملة نادرة، ومكسب لأي بيئة عمل، وبالتالي يجدون فرصاً بديلة، ومغريات عديدة. في عام 2022 نشرت المجلة الدولية للإدارة الصحية، وهي مجلة علمية محكمة في المملكة المتحدة، دراسة تحت عنوان: «أثر التسرب الوظيفي في الأداء التنظيمي في قطاع الرعاية الصحية» شملت 20 مستشفى في الولايات المتحدة الأمريكية، ووجدت أن معدلات التسرب الوظيفي مرتفعة في قطاع الرعاية الصحية، وهو ما يتسبب بانخفاض جودة الرعاية المقدمة للمرضى بنسبة 18%، بل إن هذا التسرب زاد في التكاليف سواء في التوظيف أو التدريب بنسبة 25%. والحال في مجال التكنولوجيا مماثلة؛ فقد نشرت المجلة الأكاديمية للتكنولوجيا والابتكار، ومقرها الولايات المتحدة الأمريكية، دراسة في عام 2021 تحت بعنوان: «العوامل المؤثرة في التسرب الوظيفي في قطاع التكنولوجيا وتأثيره في الأداء التنظيمي». الدراسة التي شملت 50 شركة تكنولوجية في وادي السيليكون، ذكرت «أن أهم أسباب التسرب الوظيفي في قطاع التكنولوجيا هي: الضغوط المرتفعة، قلة الاستقرار الوظيفي، وغياب فرص التطور المهني». وهذا أدى «إلى انخفاض معدل الإنتاجية بنسبة 23% وزيادة تكاليف التوظيف بنسبة 30%».
من المهم أن تقدم للموظفين مبادرات وبرامج تساهم في سعادتهم، وتنمي ولاءهم، لأن الخسائر التي يسببها التسرب الوظيفي بالغة وكبيرة، ولا تعوض بالتعيينات الجديدة.
