قانون القراءة يجدد العهد بالكتاب

00:56 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد عبدالله البريكي

دائماً تحوّل دولة الإمارات العربية المتحدة الأحلام إلى حقائق ملموسة على الأرض، وهو ما يتضح بقوة في قانون القراءة الذي يعدّ سنداً للشعوب والحضارات والثقافات، والجميل أنه يصدر من هذه الأرض الطيبة، بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، الذي يؤسس بنظرته الثاقبة للمستقبل إلى ترسيخ ثقافة القراءة بين أبناء هذا الجيل والأجيال المقبلة وإلى مدى الحياة، وهذا يعني أن القيادة الرشيدة في الدولة تبني معامل لتفريخ العلماء، فلا يمكن لأمة لا تقرأ أن تواكب المستقبل.
هذا القانون يجدّد عهد فئات المجتمع كافة بالكتاب، ويدعوهم إلى الاحتفاء به؛ بهدف صناعة أجيال مثقفة تمتلك قدرات خاصة على التفاعل الحضاري، ومن ثم بناء شخصية قوية قادرة على مجابهة التحديات، مشحونة بالطاقات الفذة التي تغذي جميع جوانب المجتمع وتطلعاته نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية والإنمائية وغيرها، بما يضمن استدامة مسيرة البناء التي بدأها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والذي جعل الإمارات منارة العلم والمعرفة، ومن أبناء الدولة في كل المجالات حتى غدت الإمارات مضرباً للمثل بين شعوب الأرض بتقبلها للثقافات الإنسانية، واحتفائها برواد المعرفة والمثقفين والمبدعين في كل أقطاب الأرض.
إن هذا القانون سوف يكون له الأثر الشامل في تعزيز الجهود الوطنية؛ من أجل أن تكون القراءة وسيلة للحياة، ونقطة تحول في مسيرة البناء والتنمية، وهمزة وصل للالتقاء مع الآخر من أجل الوصول في نهاية الأمر إلى مجتمع مثقف.
وما من شك في أن هذا القانون يضمن للجميع بناء شخصية لها تفردها الخاص، خصوصاً وأنه يتيح لكل أفراد المجتمع في كل المراحل العمرية أن يرسخ في ذهنهم المطالعة لتصبح نمطاً مستداماً يبدأ مع المرء منذ إدراكه ووعيه إلى مراحله المختلفة، وصولاً إلى مرحلة الشيخوخة، لكن تبقى هناك مهام كثيرة على أبناء هذا الوطن، حتى تكون الاستفادة من هذا القانون على نطاق أوسع، تتمثل في البناء الأسري للشخصية، والذي يبدأ من الكتاب والتمسك به وإدراك أهميته في صقل الشخصية ومنحها الثقة بالنفس، ويجب أن يطرح كل أب وكل أم في ذهنه سؤالاً مهماً وهو لماذا نقرأ ولمن نقرأ؟، فالحياة في جملتها هي مجموعة من القراءات المتواصلة والمتداخلة، فقد درجت الكثير من الأسر في أزمان سابقة على تحفيظ أبنائها سوراً من القرآن الكريم، أو عهدت إليهم بحفظه كاملاً، فكانت المحصلة خروج جيل يحب القراءة، ولديه ذهن نشط واستعداد قوي للمطالعة، وإذا نظرنا من جانب آخر فإن المدرسة والجامعة وكل المؤسسات التعليمية تسهم في أن يظل المنتسبون إليها في حالة متواصلة مع القراءة، لكن اللافت في هذا القانون أنه سيضمن بشكل كامل التفاعل الدؤوب مع القراءة، بحيث تكون هي المتنفس الحقيقي للتفوق الدراسي وبناء شخصية علمية قادرة على مواجهة كل التحديات.
القراءة هي السبيل للمعرفة والثقافة، وهي التي تنمي القدرات البلاغية والخطابية للفرد، وتمنحه الجرأة على الوقوف على المنابر والتحدث بشجاعة وطلاقة ولياقة ولباقة، وتعطيه ثقة في مواجهة الخصوم ومقارعة الخطوب وتقديم الحجة والدليل الذي يفيض من مخزون قرائي تراكمي اكتسبه الفرد من معارف ومشارب وقراءات كثيرة تكسب صاحبها التفوق، وتجعله قادراً على إثبات شخصيته وترسيخ ذاته، ولذلك فإن من حق شعب دولة الإمارات أن يفرح؛ لأن قانون القراءة يؤسس إلى معرفة متنامية، وهو في حد ذاته نموذج مشجع لتتجاوب معه حركة العلم والثقافة لينتج عنها كمٌّ معرفي وفكري يعود بالفائدة على الدولة والمجتمع، فهو يضعنا أمام تجربة عملية تتسق مع جدلية الواقع، وتتوافق مع التطور الحضاري للدولة التي تسعى إلى تدفق شلال عذب يغمر العقول ويسقي القلوب من ينابيع العلم والمعرفة، وهذه التجربة تعتبر من التجارب الرائدة في تاريخ الأمم والشعوب، وهو ما يجعل من وجودها معيناً لا ينفد، وسماء مفتوحة على كل الأوجه في الثقافة الإنسانية المبدعة، وهو ما يستلزم طقوساً خاصة بالقراءة تجذّر في النفوس القيمة الأسمى لهذه المعرفة الحياتية والعلمية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"