الاستفتاءات والسياسة الدستورية

بعضها يهدد الأقليات وينطوي على التمييز ضدها
02:43 صباحا
قراءة 7 دقائق

عن المؤلف

تأليف: مات كفورتروب

عرض وترجمة: نضال إبراهيم

حتى وقت قريب، كانت الاستفتاءات قليلة الاستخدام، إلا أنها بعد الاستفتاء على استقلال اسكتلندا واستفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، برزت الاستفتاءات إلى الواجهة بوصفها آلية يمكن أن تعطل الوضع الراهن وتغير الاتجاه السياسي تغييراً جذرياُ. يتناول هذا الكتاب التطور التاريخي للاستفتاء، واستخدامه وأنواع المسائل الدستورية التي يسعى إلى معالجتها.
يقدم الكتاب نظرة عامة واضحة وموضوعية على الاستفتاء كأداة سياسية ودستورية مهمة. وهو عبارة عن مجموعة من المقالات، الكثير منها هو إسهامات مبدئية وغير حاسمة في النقاش الدائر حول الاستفتاءات.
يقول الكاتب إن النصوص الموجودة على أساس الوثائق والمقالات والمحاضرات التي قدمتها في الفترة من 2010 - تشمل جوانب مختلفة من الاستفتاء (أساسه المنطقي، واستخدامه وعواقبه)، وصياغة الدساتير والمؤسسة التي غالباً ما يتم تجاهلها، وإسقاط العضوية (الأمر الذي يسمح للناخبين بإلغاء ولاية السياسي المنتخب). ويوضح أن الهدف من هذه المجموعة هو تقديم الأفكار التي يمكن للباحثين الآخرين استخدامها لصياغة وثائق أكثر تماسكاً وربما أكثر علمية.

استرجاع ثقة الجماهير

تم إعداد هذا الكتاب في وقت يشهد اضطراباتٍ دستورية كبيرة؛ ليس فقط في المملكة المتحدة، بل في العالم على نطاق أوسع.. في تركيا، الولايات المتحدة، المجر، والعديد من الأماكن الأخرى. وتشير قضايا مثل الشعبوية وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانعدام الثقة في الطبقة السياسية إلى أن هناك حاجة إلى آليات جديدة لاسترجاع ثقة الجماهير في الديمقراطية الدستورية. وهنا السؤال: هل ينبغي علينا تغيير الإطار الدستوري بأكمله؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هي الطريقة الأكثر ديمقراطية لتغيير الدستور؟ هل المزيد من الاستفتاءات هو الحل - أم يُعتبر ذلك جزءاً من المشكلة؟
تبحث المقالات في الاستفتاءات حول الاستقلال، وفيما يحدد فعلياً نتائج الاستفتاءات، وفي القواعد والأنظمة التي ينبغي أن تدعم هذه الممارسات الديمقراطية المباشرة. تتناول المقالات أيضاً مشروعية الاستفتاءات، لاسيما فيما يتعلق بما يسمى «الحق» في تقرير المصير، والذي لا يعني ضمناً، كما سنرى، أن للمناطق حقاً قانونياً في التصويت على الاستقلال.
والمقالات التي يجري فيها ذلك بالضبط تعتمد على مناهج مختلفة وليس على منهجية واحدة أو على رؤى أحد التخصصات. فالبعض منها له طابع ثرثار، وربما حتى طابع صحفي؛ والبعض الآخر يتبع شكلاً أكثر تقليدية للعلوم الاجتماعية. وهكذا، فإن المقالات الواردة في الكتاب تستند إلى الاقتصاد والتاريخ والقانون والنظرية السياسية - أو إلى التخصصات التي تشكل مجتمعة علم السياسة.
إلا أن الكتاب يستند عموماً إلى افتراض أن البحث الجيد ينبغي أن «يقدم مساهمة محددة في أدبيات علمية يمكن التعرف إليها عن طريق زيادة قدرتنا الجماعية على بناء تفسيرات علمية مؤكدة لبعض جوانب العالم». وذهب نفس الكُتّاب إلى القول بأن الهدف من «البحث العلمي» هو «استخلاص استنتاجات سببية على أساس المعلومات التجريبية».
وبالتالي، فإن أولئك الذين يسعون إلى فهم وتفسير إجراء الاستفتاءات، نتائجها وعواقبها، والتغييرات الدستورية وتأثير المؤسسات السياسية الأخرى، ينبغي عليهم اتباع نفس الوصفة. ولكن هل هناك أسلوب أو طرق معينة يجب اتباعها؟

دراسة الظواهر والمشكلات

توضح المقالات الموجودة في هذا الكتاب أنه يمكن دراسة هذه الظواهر باستخدام مجموعة واسعة من الطرق، ولكن مع وجود ميل إلى استخدام المناهج النوعية، وحيث التركيز على المناهج النوعية ليس أمراً مستغرباً، إلا أنه كثيراً ما يتم الاعتراض على أن التحليلات الكمية تفشل في الكشف عن المشكلات الأساسية. وعلى حد تعبير كليفورد غيرتز، فإن البحث عن الأنماط الإحصائية غالباً ما يفشل في الكشف عن الجوانب المهمة فعلاً للعلاقات الاجتماعية و«تبين السلوك البشري للخصائص نفسها التي تهمنا قبل أن نبدأ في معاينتها». ومع أن هذا الكاتب يميل إلى الاتفاق على ذلك، إلا أنه لا يزال هناك مكان للتحليل الإحصائي.
إذا أردنا فهم نمط من الوقت الذي يتم فيه الفوز بالاستفتاءات أو خسارتها أو عندما يُحتمل استمرار الدساتير الجديدة، عندئذ يكون النهج الكمي مفيداً حتى لو لم يكن قادراً على الوقوف بمفرده. لكن قبل كل شيء، فإن المقالات مبنية على شرطٍ واحد عام أو فائق الأهمية وهو أن كل شيء في العلوم الاجتماعية يستند إلى القدرة على استنباط الاستنتاجات السببية. وفقاً للكلمات الشعرية لعالم الأحياء توماس إتش. هوكسلي، فإن «فعل الإيمان الوحيد في التحول إلى العلم، هو الاعتراف بكونية النظام والصلاحية المطلقة في جميع الأوقات وتحت جميع الظروف، لقانون السببية». لكن ما إذا كان العالم يخضع لهذا «القانون»، فذلك بالطبع مسألة فلسفية.
يعلق الكاتب: «حتى الآن بالنسبة لنا وفي مناقشاتنا، نجري دائماً مناقشات حول هذه البديهية الأساسية. إنه ليس، كما أشار هوكسلي، شيئاً يمكننا إثباته؛ إنه «فعل إيمان». ومع ذلك، بدون علاقة سببية، وبدون القدرة على القول بأن بعض الأشياء تنشأ من أشياء أخرى، لا يمكننا أن نجري أي نقاش سياسي عقلاني. وهكذا، في كتابة هذه المقالات، آمل أن أكون قد قدمت قضية لصنع السياسة القائمة على الأدلة وقضية ضد «الأخبار المزيفة» والإيمان العبثي ب«الحقائق البديلة»، والتي تم تبنيها مؤخراً من قبل مستشار بارز للرئيس الحالي للولايات المتحدة».
ويضيف: «سواء استخلصت هذه المقالات الاستنتاجات المناسبة أو الصحيحة فهي مسألة يقررها القارئ. أملي الوحيد هو أن تؤدي هذه المقالات إلى مناقشة قوية لكن تتسم بالاحترام حتى نتمكن من تحسين مؤسساتنا السياسية، ومن ثم في نهاية المطاف تحسين حياتنا الفردية والجماعية».

حدود السياسيين

يتكون الكتاب من جزأين يضمان 12 فصلاً. في الفصل الأول من الجزء الأول من الكتاب نقتطف مقاطع لترجمتها، تتسم بطابع شخصي، يقول فيها الكاتب: «بينما كنا نسير في طريق بييترو روسيلي نحو الجامعة الأمريكية في روما، قال سائق التاكسي الروماني:«نون باستا بيو، لقد طفح الكيل». وقال إنه لم يكن«شعبوياً»، ولكنه صوّت ضد اقتراح تعديل الدستور الذي قدمه رئيس الوزراء ماتيو رينتسي في عام 2016. قال لي الرجل: لا،«لأنه كان ضد دولة الرعاية الاجتماعية أو الاتحاد الأوروبي»، ولكن مجرد إرسال رسالة إلى الطبقة السياسية. باختصار، كانت عبارته: نون باستا بيو، تلك إشارة إلى السياسيين المنتخبين بأنه كانت هناك قيود معينة تمكنوا من الإفلات منها؛ وبأن الهجرة كانت تُعتبر خارجة عن نطاق السيطرة؛ وأن عدم المساواة المتزايد كان غير مقبول؛ كما أنه عارض التخفيضات في الإنفاق على الرعاية الصحية».
«قد ينظر البعض إلى هذه الأقوال على أنها أمثلة على اللاعقلانية، مثلما رأى الكثيرون التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في بريطانيا عام 2016، ورفض الناخبين الكولومبيين لخطة السلام في العام نفسه الذي اتسمت فيه مؤشرات الديمقراطية بالصدمة؛ كدليل قاطع على أن الحكومة المنتخبة من قبل الشعب، ينبغي أن تعني حكومة تمثيلية؛ وأن إجراء الكثير من الاستفتاءات هي ضرب من السخافة. وهناك بطبيعة الحال، أمثلة على الاستفتاءات التي تهدد الأقليات، وتنطوي على التمييز ضدها. لكن الإيمان الذي لا يرقى إليه الشك في «الأرستقراطية المنتخبة» لاستخدام مصطلح روسو أنه بحاجة إلى مراجعة بعد فحص دقيق». «وبينما يستطيع السياسيون بشكل عام تداول القضايا، إلا أنه لا يزال هناك عدد لا بأس به من قوانين البرلمان التي تشكك على أقل تقدير في مدى حكمة النواب المنتخبين. في المملكة المتحدة، يعتبر قانون الكلاب الخطرة لعام 1991 وقانون تمويل الحكومة المحلية لعام 1988 (الذي أدخل ضريبة المجتمع المحلي أو»ضريبة الاقتراع«) أمثلة على التشريعات غير المدروسة والتي بلغت حد التشريعات النافذة».
«من أجل تفادي مثل هذه التشريعات، التي قد تكون ضرورية أحياناً لاستكمال الديمقراطية النيابية، ينبغي أن تتم هذه الأخيرة بآليات تسمح للناخبين بأن يقولوا: «هذا ليس بكافٍ»- وربما يكون الاستفتاء هو أنسب وسيلة للقيام بذلك».

مواصلة التقدم الشعبي

«قد تكون الشعبوية فظة وأنصارها قد يكونون بغيضين، لكنهم غالباً ما يمثلون دلائل على الاستياء الكامن. في تسعينات القرن التاسع عشر، حث الشعبويون الأصليون على إجراء استفتاءات أتاحت للناس الاعتراض على القوانين التي أقرتها الهيئات التشريعية والمبادرات التي يمكن أن تجبر السياسيين المتمردين على إدخال تشريعات تعارضها الشركات الكبرى. وكانت ناجحة في كثير من الأحيان. تم إدانة الشعبويين بوصفهم اشتراكيين عندما اقترحوا إدخال تشريع لمكافحة الاحتكار. تنبأت صحيفة لوس أنجلوس تايمز بأن«التشريع الراديكالي سوف ينتج، وأن حقوق مشاريع الأعمال التجارية والملكية سوف تتعرض لاضطراب مستمر على أيدي المحرضين».
وفي الواقع، ربما أنقذ هذا التشريع، الرأسمالية من نفسها وتأكد من أن الاحتكارات التي تنبأ بها كارل ماركس في رأس المال لم تظهر أبداً، وأن أمريكا لم تشهد معارك أيديولوجية متطرفة ميزت بلداناً بآليات التشريع المباشر من قبل الشعب أو «اعتراضات الشعب» من خلال الاستفتاءات.
عندما بدأت في دراسة الأمثلة السابقة لنون باستا بيو(أي الاستفتاء لم يعد كافياً)، بدأ يظهر نوع من النمط، وهو واحد من النخبة الواثقة من نفسها التي تدافع عن المثل الأعلى المجرد الذي عارضه «الأشخاص العاديون»، الذين كانت تجاربهم اليومية غير متزامنة مع النمط العام السائد. ومن شأن أساتذة الاقتصاد وكبار موظفي الخدمة المدنية وكبار رجال الأعمال أن يخبروا الناخبين بأنه «لا يمكنكم إيقاف التقدم»، وأن يدينوا الحركات الشعبية التي تطالب بضرائب أقل أو محطات طاقة نووية معارضة.

نبذة عن الكاتب:

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة كوفنتري. بسبب خبرته في الاستفتاءات والسياسة الأوروبية والحكومة المقارنة، حصل على جائزة مرموقة في عام 2013 عن بحثه في المؤسسات السياسية ونتائج السياسات. له العديد من المؤلفات منها:«أنجيلا ميركل: أكثر قادة أوروبا نفوذاً»، وترجم إلى الروسية والصينية والكورية.
خلال عام 2015، كان مات مستشاراً خاصاً للجنة الإدارة العامة والشؤون الدستورية بمجلس العموم البريطاني. عمل سابقاً كعضو في فريق المبعوث الخاص للرئيس أوباما في إفريقيا (2009-2010). قبل حياته المهنية كأكاديمي، عمل الكاتب كرئيس لقسم جرائم الأسلحة في وزارة الداخلية البريطانية (2002-2004) وقبل ذلك كمستشار لوزير الداخلية البريطاني. حصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة أكسفورد في عام 2000. وهو محام مؤهل أيضاً، ويحمل دبلوماً من كلية الحقوق في لندن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
فريد زكريا
تظاهرة عمالية في ألمانيا
ستيفانيا باركا
1
آدم تشابنيك وآسا مكيرشر
1
ريتشارد يونغس
1
جوشوا فيراسامي
خلال قمة أوروبية سابقة
مارك ساكليبن
1
تياجو فرنانديز