الرد على خوارج العصر ... (5/1)

04:39 صباحا
قراءة 8 دقائق

عن المؤلف

القاهرة «الخليج»:
لم تعد الإدانة تكفي لمواجهة جماعات التطرف والتكفير التي ابتلي بها العالم الإسلامي في السنوات الأخيرة، فمواجهة هذه الجماعات الضالة تتطلب حصارا فكريا يكشف أباطيلها ويعريها أمام جماهير المسلمين في كل مكان.
وأحدث هذه المواجهات الفكرية تمثلت في موسوعة علمية تبناها العالم الأزهري د. علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر السابق، حيث كلف مجموعة من الباحثين المتخصصين في العقيدة والشريعة الإسلامية والسنة النبوية والفقه الحضاري بحصر أكاذيب التكفيريين والرد عليهم بما يدحض أباطيلهم.
وقد أكد د. جمعة في مقدمة الجزء الأول من الموسوعة العلمية، الذي يرد على الفكر المتشدد في أمور العقيدة، أن هذه الجماعات الضالة التي ابتلي بها عالمنا الإسلامي وزاد خطرها في السنوات الأخيرة تحتاج إلى مواجهة فكرية جادة، إذ لم يعد الحل الأمني كافيا لحماية مجتمعاتنا العربية والإسلامية من مخاطرها.

قال مفتي مصر السابق: هؤلاء التكفيريون الذين أساءوا للدين الإسلامي وشوهوا صورته في العالمين بالكذب والبهتان والمغالطات التي ابتدعوها وروجوا لها وراحوا يسفكون الدماء ويمارسون القتل والتخريب في مجتمعات المسلمين وغير المسلمين، هم ورثة الخوارج الذين حذرنا سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بدعهم وعدوانهم، وقد توعدهم بأنهم من أهل الجحيم، حيث قال: «الخوارج هم كلاب النار» وذلك لأنهم اتبعوا سنن المنافقين، حيث إنهم يظهرون الطاعات ويعطون ما لا يرضي الله ورسوله من بدع ومغالطات، كما قال الحق سبحانه: «يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول».
ويوضح عضو هيئة كبار العلماء أن هدف موسوعة «الرد على خوارج العصر» تفكيك الفكر المتشدد بنقض بعض أمهات المسائل التي يرتكن إليها مع عدم الغفلة عن التطبيقات والفرعيات التي خرجها ذلك الفكر الأبتر، بناء على تأصيلاته الفاسدة، من خلال جولة في بعض العلوم الشرعية كالعقيدة والحديث الشريف، وأصول الفقه وقواعده، والفقه الحضاري، وذلك العرض والتفكيك تناوله الباحثون من اعتبارات متعددة وبأنفاس مختلفة.
ويؤكد د. جمعة أن الضلال الفكري والسلوكي لجماعات التشدد والتكفير قد ترتب عليه مصائب كثيرة، تمثلت في محاولات لا تتوقف لتشويه العلوم الشرعية، والجرأة القبيحة على علماء المسلمين، وسوء الظن بجماهير المسلمين، فضلا عن تكفير الموحدين واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم وتشويه صورة الإسلام في العالمين، وبذلك يقف هؤلاء صادين عن سبيل الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، والكارثة أن هؤلاء المنحرفين يحسبون أنهم على شيء، وأنهم مجاهدون، وأنهم مصلحون، وأنهم يحسنون صنعًا، وينطبق عليهم بذلك قول الحق سبحانه: «قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا»، كما نبهنا النبي- صلى الله عليه وسلم - إلى نحو ذلك في قوله: «يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»، فكان أولئك هم ورثة المنافقين الذين خرجوا على جماعة المسلمين في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنشأوا مسجدا، وأقاموا جماعات خاصة (موازية) فيما سمي في السيرة النبوية ب«مسجد الضرار».

فهؤلاء المنافقون في عهد رسول الله قد أظهروا الطاعة، حيث أقاموا مسجدا للصلاة وحضروا فيه الجماعات ودعوا الناس للتوافد إليه، ولكن حقيقة أمرهم أنهم كانوا يريدون تفريق كلمة المسلمين وإنشاء مؤسسة موازية للمسجد النبوي الشريف الذي يجتمع فيه الصحابة حول سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما سيرتب عليه إعلاء قيادات موازية والترويج لأفكار موازية من المؤكد أنها ستهدم المجتمع، لأن المنافقين يستهدفون دائما السلطة، والسلطة دنيا، والدنيا تفرق ولا توحد أبدا.
تفكيك الفكر المتشدد

ويؤكد د. علي جمعة أن العلماء عازمون على تفكيك الدائرة المعرفية المغلقة التي أنشأها أولئك التكفيريون المعاصرون، خاصة أنهم صنعوا لأنفسهم دائرة من النصوص والأفكار وأحاطوا أنفسهم بها وبدأت المكتبة التكفيرية الخاصة بهم تتضخم بمرور الزمن الأمر الذي يفرض على علماء المسلمين اقتحامها من أجل تفكيكها أمام الشباب حتى لا يقعوا في مصيدة هؤلاء المتطرفين.
ويرى د. جمعة ضرورة وقوف العلماء كثيرا عند معالم «الدين الموازي»، الذي يطرحه المتطرفون ويسيطر عليهم، وتفكيك ذلك الفكر بعرض مغالطاته وشبهاته وسوء منهجه ونتائجه، فالمتطرفون ينظرون إلى العالم كله في كتبهم على أنه كافر، فاسق، منحل، مختل، وأن الإسلام لا يوجد منذ قرون، فقده الناس وضلوا عنه وارتدوا بعد الإيمان به، وهم يستمدون رؤيتهم المتطرفة من فكر وفلسفة سيد قطب الذي يؤكد في كتابه «معالم على الطريق» أن وجود الأمة المسلمة قد انقطع منذ قرون كثيرة، فالأمة المسلمة ليست أرضا كان يعيش فيها الإسلام، وليست قوما كان أجدادهم في عصر من عصور التاريخ يعيشون بالنظام الإسلامي، إنما الأمة الإسلامية في رؤيته المتطرفة جماعة من البشر تنبثق حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم وموازينهم كلها من المنهج الإسلامي، وهذه الأمة بهذه المواصفات قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض جميعا.

أدبيات التكفيريين

وبعد القراءة الواعية الدقيقة لفكر التكفيريين يؤكد د. علي جمعة أن هناك عشرة محاور أو نقاط تكشف أدبيات الجماعات التكفيرية المنحرفة ولا تكاد تخرج عنها هي:
}} الزعم أن حكام العالم الإسلامي جميعهم عملاء للاستعمار الغربي وخونة لشعوبهم الإسلامية، وهم يحكمون دولهم من أجل تحقيق مصالح الغرب، ومن أجل تنفيذ مؤامرة صليبية تسعى للتبشير بين المسلمين.
يقول د. جمعة تعقيبا على هذا الزعم الذي يسيطر على التكفيريين: أكاد أجزم من خلال تجربتي وخبرتي الشخصية أنه ليس ثمة مؤامرة من العالم الخارجي ضد عموم الدول الإسلامية والإسلام، لكن هي معركة دائمة دوام الأرض والسموات، هي معركة الخير والشر، وهي معركة مصالح متضاربة ومتدافعة، والمؤامرة التي تحاك في الأرض دائما ضد أهل الحق فإنما يديرها ويدبرها الشيطان الرجيم، وهذا ما قاله الله تعالى: «قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين».
ويرى د. جمعة أن هذا الفكر المتشدد وتلك الرؤية الخاطئة يستمدها التكفيريون من فكر جماعة الإخوان، حيث تبنى مصطفى مشهور - أحد قيادات الجماعة الراحلين - الترويج لفكرة سعي حكام البلاد الإسلامية لإبعاد أهلها عن جوهر الإسلام، كما يزعم مشهور أن حكام المسلمين سعوا لنشر الفساد والمنكرات كالخمر والميسر والربا والفحشاء، وأسقطوا الخلافة وأثاروا الفرقة والنزاع بين المسلمين.
ولذلك فإن هذه الجماعات الضالة لا تعترف بشرعية حكام العالم الإسلامي كله ولا بأهليتهم للحكم، وتندد بما تسميه «التبعية للغرب»، وتصف حكام المسلمين بأنهم «دمى» نصبها الاستعمار ليحكم بها الأمة الإسلامية، وأن هذه الدمى عبيد لأسيادها في واشنطن وباريس ولندن وروما وموسكو، ويستشهد د. جمعة بالعديد من الكتابات المتطرفة التي تستهدف نشر وتعميق هذه الثقافة في نفوس المسلمين، ويؤكد أن هؤلاء المتطرفين يسعون إلى نشر الفوضى والعنف في بلاد الإسلام من خلال ما يسمونه «التوحش»، ثم يعملون على إدارة ذلك التوحش من أجل فرض سيطرتهم وسلطانهم على الشعوب الإسلامية بدعوى تحريرها من حكم المرتدين الكافرين عن طريق رفع شعار «تطبيق الشريعة الإسلامية» وكل ذلك كذب، فإنهم يسعون إلى السلطة، ويبتغون الدنيا لا الآخرة، وهم مخربون لا ينتج عن فعلهم هذا نهضة أو عمران أو تقدم ولن تقدم الأمة غايتها أبدا بالفوضى والتوحش.
ويضيف: ليس بعد ذلك حقارة ونفاق يظهر هؤلاء التكفيريين على حقيقتهم، إنهم لا يسعون أبدا لتحرير شعوب المسلمين أو حكام المسلمين من سيطرة الغربي أو الصليبي أو الصهيوني بالعمل الجاد والعلم النافع والإعمار في الأرض، لكن هم في الحقيقة يجهزون على الأمة ويحققون مآرب الاستعمار في استكمال ركوع الأمة تحت أقدامهم.
}} مغالطات التكفيريين حول قبول حكام وشعوب المسلمين ب«إسرائيل» وتسليمها بيت المقدس، فهم يرون أن حكام المسلمين ينفذون المؤامرة الصهيونية في تحقيق حلم «إسرائيل» في هدم المسجد الأقصى وبناء هيكل سليمان المزعوم مكانه، وكذلك تأسيس دولة «إسرائيل» الكبرى من النيل إلى الفرات، وقد غذى هذا الزعم في نفوس التكفيريين القطب الإخواني سيد قطب من خلال كتاباته المليئة بالأكاذيب، يقول د. جمعة: نحن لا ننكر أن يكون في الأمة أو العالم الإسلامي الآن متخاذلون أو منافقون، لكن تبعا لمزاعم سيد قطب فإن المجتمعات الإسلامية - حكاما ومحكومين - عملاء خاضعون ل«إسرائيل» وينفذون المخططات الصهيونية، وكل ذلك كذب ومغالطات واضحة، لأن معظم العرب، خاصة المصريين، وقفوا دائما ضد المخططات الصهيونية في المنطقة.
}} زعم التكفيريين أن حكام الدول الإسلامية ضد الوحدة، وهذا كلام فاسد ومردود عليه، فقد حاولت مصر أن تتحد مع سوريا في الستينات وأن تتحد مع ليبيا، وأن تتحد مع السودان، وهناك كيانات موجودة بالفعل في العالم الإسلامي تجمع وتوحد بينها كمنظمة التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وتجتهد الدول العربية في إزالة العوائق أمام الوحدة.
إفساد عقيدة التوحيد

ويؤكد د. جمعة أن المتطرفين المتنطعين أفسدوا عقيدة التوحيد، ولذلك توعدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالهلاك والبوار، حيث قسم هؤلاء التوحيد إلى ثلاثة: «توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات»، وراحوا يصنفون الناس ويعرضونهم على هذا التوحيد الموازي المثلث الذي ابتدعوه فصار المسلمون في ميزانهم كفارا.
واختلق المتطرفون «بدعة النصر والتمكين»، وهذه البدعة جعلتهم يرون ضرورة الاصطدام مع الأمم جميعها والحضارات كلها ظنا بأن الله وعدهم بالنصر على الخلق أجمعين.

وفي ختام تفسيره لمزاعم وأكاذيب التكفيريين يرد د. علي جمعة على زعمهم بأنهم الأحق بحكم بلاد الإسلام باعتبارهم القادة والمجاهدين، ويؤكد أن مرجع هذا الأمر هو غرورهم وحبهم للدنيا والسلطان، كما يعدد الأخطاء المنهجية والمعرفية والأخلاقية، التي حركت مغالطات التكفيريين ووجهت عقولهم وأذهانهم ويراها كثيرة ومتنوعة.

غلظة وسوء طبع
يقول د. جمعة: لقد ابتلى الله هؤلاء المتطرفين بالغلظة وسوء الطبع وكراهية الحياة، وحب الصدام وغباوة التناول وتغيير المفاهيم وضلال التأويل، وكراهية المنطق، وكل ذلك صنع غشاوة أو حاجبا حال دون صوابهم.
وبالإضافة إلى كل ذلك فقد عادى هؤلاء علم الأصول الفقهية، وهو علم العقل الإسلامي الذي ضبط حركة الاجتهاد ونظمها وحدد شروط المجتهد وأدلة الأحكام وغير ذلك فهم ينظرون إليه على أنه طاغوت يجب الكفر به، فيتجرأون على النصوص الشرعية دون أي ضابط، كما أن هؤلاء يعادون التراث الإسلامي الكلامي والعقدي الذي تبنته عموم الأمة الإسلامية عبر العصور من مذهب أهل السنة والجماعة ما جعلهم يقولون ببدع كثيرة خطيرة في العقيدة في الدين الموازي الذي ابتدعوه فملأوا عقولهم وعقول اتباعهم بالتجسيم والتشبيه وغيرها من الانحرافات العقدية الخطيرة، وقد أثر تحريهم للفلسفة الإسلامية والعلوم العقلية وقلة بضاعتهم فيها في نقص استيعابهم وانحراف إدراكهم للعلوم النقلية.
ومن خطايا هؤلاء التكفيريين، كما يقول د. جمعة، أنهم يغرسون في اتباعهم الطاعة العمياء والاتباع المطلق دون مناقشة فيقتلون فيهم روح النقد وإعمال العقل والاجتهاد الفردي.

بذور التكفير
وبعد أن استعرض د. علي جمعة أبرز الأصول الفكرية والمعتقدات الفاسدة لشيوخ التطرف والتكفير الذين ابتلينا بهم في عالمنا العربي والإسلامي تولى الشيخ عصام أنس الزفتاوي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، الرد على الفكر المتشدد، كاشفا عن الأصول العقدية التي استمدوا منها تطرفهم وتكفيرهم للمجتمع وممارسة العنف.
ويستعرض أمين الفتوى بعض الشبهات التي تثيرها التيارات المتشددة، ويجيب عنها بما تقتضيه القواعد العلمية الصحيحة، حيث يؤكد أن أخطر ما تواجهه الأمة الإسلامية من تلك التيارات المتشددة هم من يتخذون الخروج والتكفير دينا فيخرجون على ولاة الأمور، بل ويخرجون على الأمة ككل، ويتهمونها بالكفر ويستبيحون الدماء والأموال والأعراض، ولذلك قتلوا الأبرياء وقتل على أياديهم الملوثة بالدماء من المسلمين أكثر بكثير ممن قتلوا من غير المسلمين، وفي ذلك أكبر تكذيب لدعواهم أنهم يجاهدون في سبيل الله، ومن أجل نصرة الإسلام وأهله، فإذا بهم لا يقتلون إلا من زعموا أنهم قاموا لنصرتهم.
ويستعرض الباحث الإسلامي عصام الزفتاوي مقولات التكفيريين في أمور العقيدة بالتفصيل ويرد عليها بما يكشف ضلال ما يعتقدون، ويؤكد خطورة ترك هذه الأقوال والمزاعم الكاذبة والتفسيرات الخاطئة والمعتقدات الفاسدة تصل إلى عقول الشباب والبسطاء ومحدودي الثقافة الدينية من الجماهير.
ويؤكد أمين الفتوي أن «خوارج العصر»، لا يعترفون بعلماء أصول الدين ما أدى إلى انحرافهم الفكري في فهم مسائل العقيدة، فضلا على أنهم يرفضون الأدلة العقلية لعلماء الكلام.
الشيخ عصام الزفتاوي: المتشددون استباحوا كل المحرمات.. والإسلام بريء منهم

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

تظاهرة عمالية في ألمانيا
ستيفانيا باركا
1
آدم تشابنيك وآسا مكيرشر
1
ريتشارد يونغس
1
جوشوا فيراسامي
خلال قمة أوروبية سابقة
مارك ساكليبن
1
تياجو فرنانديز