تصدعات في الجدار

ما وراء الفصل العنصري في فلسطين/ ‏«إسرائيل»
03:37 صباحا
قراءة 8 دقائق

عن المؤلف

تأليف: بِن وايت
عرض وترجمة: نضال إبراهيم

بعد عقود من الاحتلال، لا يمكن وصف الوضع على الأرض في فلسطين/«إسرائيل» إلا كنظام للفصل العنصري، فقد فشلت جهود السلام؛ بسبب حقيقة واحدة غير مطمئنة؛ هي أن: الحد الأقصى للعرض «الإسرائيلي» لا يفي بالحد الأدنى للفلسطينيين، أو بمعايير القانون الدولي؛ لكن مع قتامة الوضع على الأرض، تحدث تصدعات في أركان الدعم «الإسرائيلية» التقليدية. فالمعارضة للسياسات «الإسرائيلية» وحتى نقد الصهيونية، تشهد نمواً في المجتمعات اليهودية، وكذلك بين التقدميين الغربيين. يقول بن وايت في عمله هذا، إن الوقت قد حان لرسم مسار يتجنب أخطاء الماضي، وهو طريق يتخطى الفصل العنصري. لا يجد الحل في التقسيم والفصل العرقي؛ بل المساواة وتقرير المصير للجميع.
في كتابه الصادر حديثاً تحت عنوان «تصدعات في الجدار: ما وراء الفصل العنصري في فلسطين/«إسرائيل» (منشورات بلوتو، 224 صفحة)، ينطلق المؤلف والصحفي البريطاني بِن وايت؛ المتخصص بالشأن الفلسطيني وصاحب الدراية الواسعة بالصراع الفلسطيني/«الإسرائيلي»، من فكرة أن دولة الفصل العنصري واقعية وحاصلة، وهي تتمثل بوجود الاحتلال «الإسرائيلي»، الذي لا هوادة فيه، للأرض الفلسطينية، إلا أن ثمة صدوعاً تتوسع في هذا الجدار، ما يثير العديد من التساؤلات، ويقود لاستنتاجات حول ما إذا كانت «إسرائيل» ما تزال تحصل على الدعم التقليدي من الولايات المتحدة، بخاصة ضمن الإدارة الحالية.

من النكبة إلى النكسة

يتضمن الكتاب تمهيداً، كتبته المحامية الكندية الفلسطينية والمتحدثة السابقة باسم منظمة التحرير الفلسطينية ديانا بوتو. كما يضم مقدمة وسبعة فصول. في التمهيد، كتبت بوتو: «كانت سنتا 2017 و2018 سنتَي استعادة الذكرى السنوية لمناسبات فلسطينية، أو لنكن أكثر دقة، حملت هاتان السنتان إحياء ذكرى المآسي الفلسطينية؛ إذ إنه ابتداءً من عام 1917 عندما أعلن آرثر بلفور دعمه ل«إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين»، عانى الفلسطينيون - وقاوموا - مئة عام من الغطرسة الاستعمارية.
اتخذ هذا الغرور الاستعماري أشكالاً ومظاهر مختلفة على مر السنين. وشمل ذلك بشكل خاص خطة التقسيم لعام 1947، التي حاولت فيها الأمم المتحدة، مرة أخرى، التخلي عن أجزاء من فلسطين دون استشارة الفلسطينيين أو أخذهم في الاعتبار. ثم كان الأسوأ، وهو نكبة عام 1948، حين أخضعتنا «إسرائيل» كفلسطينيين للتطهير العرقي القسري؛ لتنفيذ اتفاق بلفور، ثم اتبعت ذلك بنكسة عام 1967 حين استكملت استيلاءها على الأجزاء الباقية من الأرض الفلسطينية. وما تزال شهية «إسرائيل»، التي لا تتوقف ولا يمكن لجمها تجاه الأرض الفلسطينية مستمرة، وهي تتجلى بأوضح صورها في مشروعها الاستيطاني المستمر والمتزايد.
إن إحياء ذكرى هذه المآسي لا يكتمل من دون استعادة الذكرى الخامسة والعشرين على توقيع إعلان المبادئ عام 1993، الذي أطلق عملية مفاوضات أوسلو الكارثية. في تلك السنوات الخمس والعشرين، شهد الفلسطينيون ارتفاعاً مذهلاً لعدد المستوطنين في الضفة الغربية (باستثناء القدس) من 52 ألف مستوطن إلى 400 ألف مستوطن.

سياسة دعم المتشددين

في مقدمته، يبدأ بِن وايت باستعادة حادثة جرت في فبراير/شباط 2017، خلال جلسة استماع في الكونجرس لتنصيب ديفيد فريدمان سفيراً للولايات المتحدة في «إسرائيل»، حين رفع شخص يدعى طاهر حرز الله علم فلسطين، وصاح قائلاً: إن حق الفلسطينيين في فلسطين هو حق عادل وغير قابل للتأويل. يركز وايت على هذه الحادثة، مشيراً إلى شخصية ديفيد فريدمان، ويبرر اهتمامه هذا بما كتبته جريدة «نيويورك تايمز» عن فريدمان في ديسمبر/كانون الأول 2016: «إنه رئيس هيئة جمع أموال لمدرسة دينية يهودية في مستوطنة داخل الضفة الغربية يرأسها حاخام متشدد دعا الجنود «الإسرائيليين» إلى رفض أوامر إخلاء المستوطنين. كما أنه يكتب عموداً لموقع إخباري «إسرائيلي» يميني، اتهم فيه الرئيس باراك أوباما ب«معاداة السامية الصريحة». وهو يرفض «حل الدولتين» للصراع «الإسرائيلي»- الفلسطيني.
اختار الكاتب أن يبدأ برمزية ما يمثله ديفيد فريدمان؛ ليصور للقارئ السياسة الأمريكية العامة تجاه«إسرائيل»، بدءاً باختيار فريدمان مروراً بالإجراءات السياسية والاقتصادية المتتابعة لإدارة ترامب. وهو يبتغي بذلك نقد الإدارة الأمريكية من الداخل، والبحث في أسس هذه العلاقات وتجاذباتها ضمن المتغيرات السياسية العالمية، في الإطار العريض، والمتغيرات داخل البيت الأبيض ضمن الإطار المحدد.

دعم «إسرائيل».. بين تركة أوباما و«حافز» ترامب

يقول وايت:«لا يتعلق «حافز ترامب» فقط بالاستقطاب العام في السياسة الأمريكية. كما أنه متعلق بدعم «إسرائيل»، الذي لم يتردد الرئيس ومستشاروه المقربون في التعبير عنه، أثناء الحملة الانتخابية الأمريكية، ومنذ تولي ترامب السلطة. وفي حين أن ترامب لم يعط «إسرائيل»، حتى الآن، ذلك التفويض المطلق، الذي كان يأمل فيه ويريده بعض أفراد اليمين المتطرف في البلاد، إلا أن إدارته - في نطاق السياسة والأفراد- تتعاطف مع حكومة بنيامين نتنياهو الائتلافية اليمينية».
ويذكر المؤلف جوانب هذا التعاطف؛ المتمثل بمظاهر من اعتراف ترامب، في ديسمبر/كانون الأول 2017، بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»، إلى التركيز على «السلام الاقتصادي» بدلاً من التنازلات الإقليمية.
وحتى الكمّ البسيط والمتواضع من الضغط، الذي فرضته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما على الحكومة «الإسرائيلية» بات، في الوقت الحالي، يعدّ ذكرى بعيدة من الماضي.
لكن القضية المشتركة الواضحة بين إدارة الرئيس ترامب في البيت الأبيض واليمين «الإسرائيلي» ليست كلها بالأخبار الجيدة لمؤيدي«إسرائيل»: فكما قال جوناثان سارنا، الأستاذ في جامعة براندايز، ل دويتشه فيله: أخشى أن يقول الناس معادلة «أكره ترامب، ترامب يحب «إسرائيل»؛ لذلك أنا أكره «إسرائيل»، وعلى الرغم من أن الأمر ينطوي على قدر مفرط من التبسيط، إلا أنني، كما سأجادل في الفصل الرابع، أرى أن رئاسة ترامب تمثل وتساعد على تسريع الانقسامات المتنامية في المجتمع اليهودي الأمريكي وبين التقدميين بشأن «إسرائيل».
لقد اخترت أن أبدأ هذا الكتاب بقصة ترشيح فريدمان، جلسة الاستماع، والموافقة على التنصيب؛ بسبب الطريقة، التي كان بها نموذجاً مصغراً للاتجاهات والتطورات المهمة في قضية فلسطين /«إسرائيل» وفي الولايات المتحدة، التي هي محور هذا الكتاب: جناح يميني«إسرائيلي» قوي وواثق يوطد دولة الفصل العنصري الواقعة فعلياً، الانقسام بين المجتمع اليهودي الأمريكي بشأن«إسرائيل» والصهيونية، إضافة إلى نهاية الدعم الحزبي ل«إسرائيل»؛ وهي من النقاط الرئيسية، التي يعتمد عليها بحث الكاتب، الذي يرى أن «إسرائيل»، بكل التأييد الثابت لها، لم تعد تتمتع بالدعم الحزبي، لاسيما في سياق العلاقات«الإسرائيلية»- الأمريكية.

المأزق«الإسرائيلي»

في الوقت الحالي، على الأقل، يبقى الوضع الراهن بحكم الأمر الواقع هو الفصل العنصري، واقع الدولة الواحدة في جميع أرجاء فلسطين التاريخية. داخل خطوط ما قبل عام 1967، يواجه المواطنون الفلسطينيون في«إسرائيل»، «التمييز المؤسسي والمجتمعي» (على حد تعبير وزارة الخارجية الأمريكية)، ما يؤثر فيهم في مجالات الحياة المختلفة؛ مثل: ملكية الأراضي والإسكان؛ من خلال ميزانيات التعليم والحياة الأسرية، والتعبير السياسي. في القدس الشرقية، يُخضع «السكان» الفلسطينيين لهدم المنازل واستيلاء المستوطنين، والتمييز في الخدمات البلدية. وفي الآن ذاته، في جميع أنحاء الضفة الغربية، يخضع الفلسطينيون لنظام عسكري يسهّل احتلال الأرض من قبل «إسرائيل» والمستوطنين، ويقيد حرية تنقل السكان الأصليين، ويدين المئات كل عام في المحاكم الصورية الجائرة. أما في قطاع غزة، فيوجد ما يقرب من مليوني فلسطيني محاصرين بالسور، معزولين عن الفلسطينيين في الضفة الغربية، بعد سنوات من الإهمال المتعمد والاعتداءات الدموية.
في السياسة «الإسرائيلية»، اليوم، ثمة مأزق متعلق بالقضية الفلسطينية. إنه مأزق ناجم عن حقيقة واحدة بسيطة: الحد الأقصى «الإسرائيلي» المعروض لا يفي بالحد الأدنى للفلسطينيين، أو بمطالب القانون الدولي؛ ولكن من الأهمية بمكان أن نضع في الاعتبار القواسم المشتركة، التي تجمع قادة الفصائل والسياسيين «الإسرائيليين» الرئيسيين، وهي الاعتقاد في حق الشعب اليهودي في أرض كامل أرض «إسرائيل» (كل فلسطين التاريخية)، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير. من المستحيل أن نفهم كيف وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم دون فهم هذه الحقيقة المزعجة، ولا يمكن إدراك سبب فشل المحاولات المتعاقبة في محادثات السلام دون مواجهة هذا الواقع.

جذور الفصل العنصري

يعود الكاتب إلى بدايات ظهور الصهيونية، محاولاً إحالة مظاهر الفصل العنصري الجائر إلى حامل تاريخي واجتماعي في صُلب الفكر الصهيوني. يقول: «ظهرت الصهيونية في سياق من الأسئلة والتحديات الخطرة، التي تواجه اليهود في أوروبا وروسيا في القرن التاسع عشر. كانت تعدّ رداً على - ناهيك عن كونها من تفرعات - التطورات الاجتماعية والسياسية المنبثقة عن عصر التنوير والثورة الفرنسية، ورداً على المذابح في مناطق تخوم المستوطنات ومعاداة السامية الموجودة في فيينا وباريس. كان ظهور الاستيعاب بين اليهود في أوروبا الغربية والوسطى، وحتى في الإمبراطورية الروسية، سبباً رئيسياً لإثارة القلق لدى الصهاينة الأوائل. أكد البعض الحاجة لإنقاذ اليهود كأفراد (من معاداة السامية)؛ وجادل البعض بالحاجة إلى إنقاذ اليهود كأمة (من الاستيعاب). وبالتالي، بالنسبة لمناصريها، كانت الصهيونية استجابة إيجابية لتحديات التحرر ومعاداة السامية، وتعبيراً عن القومية اليهودية المتجذرة في تربة خصبة من قرن أو أكثر من النشاط والابتكار الفلسفي». ثم ينتقل الكاتب إلى الحاضر مجدداً، ليقول: إن هذا الفكر العنصري الراسخ له من يعارضه اليوم في الولايات المتحدة، ف«برغم ما يقال في عناوين الصحافة، فإن ثمة معارضة لهذه السياسات العنصرية، وهي متنامية لدى فئة شديدة الأهمية من الشعب؛ (اليهود الأميركيين)». ويضيف أن تعاطف اليهود الأمريكيين مع «إسرائيل»، وهم فئة داعمة لها تقليدياً، آخذ بالانحسار. خاصة لدى اليهود الأميركيين الشباب الذين يرون مبادئ الدولة اليهودية متعارضة مع القيم الليبرالية، التي يحملونها.

الحل البديل

يقول وايت:«بدأ هذا الكتاب مع حقيقة، وهو يقوم عليها فعلاً، الواقع الراهن القائم على أرض فلسطين /«إسرائيل»، وهو واقع دولة فصل عنصري قائمة. لقد نظرنا أيضاً في ما وصفته ب «التصدعات في الجدار»، تلك الجيوب الآخذة بالتوسع للمقاومة والإمكانات المتنامية لمعارضة ذلك الدعم الدولي الدائم ل«إسرائيل»، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. الآن، نختتم برؤية لواقع بديل، لا ينبغي في الواقع أن يكون من الصعب تخيله: دولة ديمقراطية واحدة. كانت الجهود الرامية لتقسيم فلسطين، وهي محاولة لحل طموحات الحركة الصهيونية ل«دولة يهودية» على حساب وبمواجهة معارضة أغلبية سكان فلسطين من غير اليهود، فشلاً ذريعاً، أقلّه على مستوى الكُلفة الإنسانية في الأرواح. ببساطة، لا يمكن للتمييز/الفصل أن يكونا تمهيداً للمستقبل أو استشرافاً له. يجب رفض التقسيم والتمييز؛ كما يجب تقبل إنهاء الاحتلال والتحول وتبنيهما».

نبذة عن الكاتب

** بِن وايت صحفي، محلل وكاتب متخصص في الشأن الفلسطيني-«الإسرائيلي». نشر خلال العقد الماضي قرابة 400 مقالة في منصات إعلامية متنوعة في أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا، إضافة إلى بعض المواقع المتخصصة بشؤون الشرق الأوسط. يزور وايت فلسطين/«إسرائيل» في رحلات بحثية منتظمة منذ عام 2003.
عمل في السابق باحثاً وكاتباً لمجلة الدراسات الفلسطينية (منشورات جامعة كاليفورنيا)، وأنجز العديد من الدراسات والأبحاث المنشورة في شبكة السياسة الفلسطينية. ألف وايت ثلاثة كتب في الصراع الفلسطيني- «الإسرائيلي»: «الفصل العنصري الإسرائيلي: دليل للمبتدئ»(منشورات بلوتو 2009، وطبعة ثانية عام 2014)، بتمهيد كتبه جون دوغارد المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. إضافة إلى كتاب«فلسطينيون في إسرائيل: تمييز، فصل وديمقراطية»(منشورات بلوتو 2012) بتمهيد بقلم عضو الكنيست حنين زعبي. أما كتابه الثالث فهو«حرب غزة 2014: 21 سؤال وجواب»(نشر ذاتي ككتاب إلكتروني 2016) بتمهيد من المؤرخ«الإسرائيلي» إيلان بابيه، الذي يدرس في جامعة إكستر، ويعدّ من المؤرخين«الإسرائيليين»الجدد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
فريد زكريا
تظاهرة عمالية في ألمانيا
ستيفانيا باركا
1
آدم تشابنيك وآسا مكيرشر
1
ريتشارد يونغس
1
جوشوا فيراسامي
خلال قمة أوروبية سابقة
مارك ساكليبن
1
تياجو فرنانديز