لن نلتزم الصمت

القمع الأكاديمي لمنتقدي «إسرائيل»
01:31 صباحا
قراءة 8 دقائق

عن المؤلف

إعداد وتحرير: ويليام روبنسون ومريم غريفين

ترجمة وعرض : نضال إبراهيم

مع تصاعد حدة الانتقادات لانتهاكات «إسرائيل» لحقوق الإنسان الفلسطيني، وكل الأعراف والقوانين الدولية، نمت الحملات الرامية إلى إسكات وقمع أولئك الذين ينددون بالفصل العنصري «الإسرائيلي» والتواطؤ الأمريكي مع جرائم الاحتلال، إلى درجة تم تحريم وطرد العديد من العلماء والأكاديميين من العمل، ورفض ترقيتهم وتثبيتهم، وعدم تقديم تمويل لمشاريعهم البحثية، كما واجهت المنظمات الطلابية مضايقات وعقوبات. يلقي هذا الكتاب الضوء على هذه الممارسات البغيضة التي يقوم بها اللوبي «الإسرائيلي» في دهاليز الجامعات الأمريكية.
يضم هذا الكتاب الصادر حديثاً باللغة الإنجليزية عن دار «أي كي بريس» الأمريكية في 222 صفحة من القطع المتوسط بعنوان «لن نلتزم الصمت: القمع الأكاديمي لمنتقدي إسرائيل»، ثلاث عشرة شهادة مؤثرة، ومباشرة من العلماء والطلاب الذين نال نضالهم للدفاع عن حريتهم الأكاديمية وحرية التعبير، اهتماماً واسع النطاق على الصعيد الدولي.
يبدأ الكتاب بتمهيدين الأول بقلم سينثيا مكيني عضوة سابقة في الكونغرس الأمريكي، حيث تتحدث عن كيفية تعرضها للقمع عند توجيهها انتقادات ل«إسرائيل»، والتمهيد الثاني بقلم ريتشارد فولك، البروفيسور في القانون الدولي بجامعة برينستون والمقرر السابق الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، ثم مقدمة للمحررين بعنوان «القمع الأكاديمي في الجامعات الأمريكية». ثم يأتي الكتاب مقسماً في 14 فصلاً: «محاكمة منتقدي جامعات إسرائيل» بقلم ديفيد ثيو غولدبيرغ، و«كيف تجاوزتُ قبول الحديث الأكاديمي بشأن فيلم الهولوكوست وقضية فلسطين»، ولم أعد بقلم تيري غينسبيرغ، و«محنتي مع اللوبي «الإسرائيلي» وجامعة كاليفورنيا» بقلم ويليام آ. روبنسون، و«اتحاد الطلاب المسلمين في جامعة كاليفورنيا: السلطة، العقوبات، والمثابرة» بقلم طاهر حرز الله مع أسامة شابايك، و«مشكلة تنمو في بروكلين» بقلم كريستوفر ج.بيترسن أوفرتون، و«قول الحقيقة للسلطة: الدفاع عن العدالة في/ لأجل فلسطين» بقلم رباب إبراهيم عبد الهادي، «موس هانلون يقطع كلا الطريقين» بقلم ديفيد ديلغادو شورتر، و«عدم تحمّل التعصب» بقلم بيرسيس كريم، «الاستجابة لمكارثية جامعة كولومبيا: مقتطفات من بيان في 14 مارس/آذار 2005 إلى لجنة آد هوك غريفانس بجامعة كولومبيا» بقلم جوزيف ماساد، و«حملة الرقابة الصهيونية على مدى سنوات» بقلم ديفيد كلين، و«بعض الأفكار عن الحقائق، السياسة والتثبيت في العمل» بقلم ناديا أبو الحاج، «الرقابة وفرض العقوبات على الطلاب لأجل العدالة في فلسطين» بقلم ماكس غيلر، و«ما يسمى كره الذات، يهودي معاد للسامية يتحدث علناً» بقلم ليزا روفيل، وأخيراً خاتمة بعنوان «أقدار متشابكة: قبل وبعد والآن».

تجربة فولك

يقول ريتشارد فولك البروفيسور في القانون الدولي بجامعة برينستون، والمقرر الخاص السابق للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، في كلمته بهذا العمل: تبدو تجربتي الشخصية ذات صلة، خاصة من ناحية دوري كمقرر خاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية في الفترة من 2008 إلى 2014. ينبغي علي أن أوضح أن هذا المنصب هو الصوت المستقل الوحيد بشكل فعلي الذي يملكه الشعب الفلسطيني ضمن الأمم المتحدة، وأن الإعلام يمتلك تفويضاً في تقديم الحقائق حول الانتهاكات «الإسرائيلية» لقوانين حقوق الإنسان الدولية (خاصة معاهدات جنيف)، ومعايير حقوق الإنسان الدولية المرتبطة بفلسطين المحتلة. كمقرر خاص، وبحكم انتمائي إلى جامعة كاليفورنيا في سانتا باربارا، قدمت تقارير على مدى ست سنوات إلى الجمعية العمومية في نيويورك وإلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف، وساعدت في لفت انتباه العالم إلى أخطر انتهاكات القانون الدولي، من بينها التوسع في المستوطنات، والبؤر الاستيطانية غير القانونية، ضم الأراضي المحتلة بحكم الأمر الواقع، والأشكال المتطرفة من العقوبات الجماعية في غزة، وهدم البيوت، والاعتماد المستمر على القوة المفرطة في ما يتعلق بالأمن، وإجراءات الاحتجاز المسيئة، وظروف السجن السيئة. وتعرضت، كما كان متوقعاً، لهجوم من الممثلين الدبلوماسيين «الإسرائيليين»، إضافة إلى نظرائهم الأمريكيين والحلفاء الدوليين، من بينهم المدافعون المزيفون عن حقوق الإنسان، مثل سوزان رايس، وسامانثا باور، وحتى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، لكن ليس هذا الموضع الذي أتعمق فيه بمسألة جيوسياسة الدعم «الإسرائيلي» في الأمم المتحدة».
ويضيف فولك: «كانت هناك أيضاً تأثيرات مباشرة أخرى في حياتي المهنية. بمبادرة من عميدها ذلك الوقت، كنت أتفاوض مع جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس كلية الحقوق، بشأن تحديد موقع مشروع كبير جداً عن تغير المناخ والديمقراطية ضمن حدودها، إلى جانب علاقة تعليمية جزئية. لكن عندما لفتت آرائي عن «إسرائيل»/ فلسطين انتباهه، فجأة أنهى التفاوض، ليؤكد في وقت متأخر من اليوم أنه ما من مساحة مكتبية كافية لاستضافة المشروع. أستشهد بهذه الحالة كتوضيح لنهج مستتر قائم على المكر والخديعة لتطهير الجامعات من أولئك الذين لا يعتبرون (أسوياء سياسياً) في أعين اللوبي «الإسرائيلي»». ويشير إلى تجربة أخرى له قائلاً: «حدثت تجربة مشابهة أخرى لي في كلية القانون بجامعة كينجز كوليج لندن، حيث تم تعييني كزميل زائر. وعندما وصلت لأجل السنة الأولى أبلغني عضو هيئة التدريس الذي استضافني - بحرج واضح -أن المدير رفض التعيين بسبب آرائي عن «إسرائيل»».
كما يتطرق فولك أيضاً إلى نشاطات وممارسات اللوبي «الإسرائيلي» في كيفية انتقاد ومقاطعة من ينتقد الممارسات «الإسرائيلية» بحق الفلسطينيين، وتأثيرها في وعي جيل يبتعد عن رؤية الأمور على حقيقتها، ما يعتبره هدماً للقيم الأكاديمية العليا.

اللوبي «الإسرائيلي» في الجامعات

يقول المحرران ويليام روبنسون، ومريم غريفين، إن «عاصفة قوية تثور على الجامعات والكليات في أنحاء الولايات المتحدة. إنها حملة انطلقت في السنوات الأخيرة في كل أنحاء العالم لدعم نضال الشعب الفلسطيني حتى ينال حريته، وتم الدفع بها في عصر الإعلام الرقمي العالمي عبر الصور الموجودة في كل مكان عن الوحشية «الإسرائيلية» بحق الفلسطينيين والانتهاكات اليومية من خلال احتلال الأراضي الفلسطينية الذي بلغ عقده الخامس. وكلما زاد الوعي بشأن الانتهاكات «الإسرائيلية» لحقوق الإنسان الفلسطيني وللقانون الدولي، إضافة إلى تواطؤ الشركات الأمريكية الحكومية والعابرة للحدود في هذه الانتهاكات، كلما وجدت أن حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني تزداد أيضاً».
ويضيف المحرران: «إن منطقة التأثير المباشر لهذه الحركة في الولايات المتحدة هي الكليات والجامعات».
وبعد ما يقارب 25 سنة من سقوط نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، انتشرت الحركة الداعية إلى إنهاء الفصل العنصري والاستيطان في فلسطين /»إسرائيل» بين جيل جديد من الناشطين الجامعيين. وألهبت القضية المشاعر واجتاحت الطلبة وأعضاء هيئة التدريس، والإداريين، وحتى المسؤولين الحكوميين في الصراعات على الخطاب الحر والحرية الأكاديمية». ويشيران إلى أنه «في جوهر هذه الصراعات ظهرت محاولات ما نسميه هنا باللوبي «الإسرائيلي» لتخويف هؤلاء داخل وخارج الحرم الجامعي ممن يمتلكون الشجاعة لأخذ موقف لأجل المطالبة بحرية الفلسطينيين. ومع كشف النقاب عن ممارسات الاحتلال وبدء ظهور مدّ الرأي العام، وازدياد وعيه بانتهاكاته، وجرائم الحرب «الإسرائيلية»، والتواطؤ الأمريكي، صعّد اللوبي «الإسرائيلي» حملاته بشكل كبير لإسكات وقمع هؤلاء المطالبين بالحرية لأجل الفلسطينيين. حيث تم بشكل منظم استهداف العلماء والأكاديميين، والطلاب الذين تحدثوا في الجامعات وضمن المجموعات عن الحقوق الفلسطينية العادلة، وسياسات «إسرائيل» العدائية. وتم إبعاد الأكاديميين عن وظائفهم، ولم يتم ترقيتهم أو تثبيتهم في الوظيفة، حتى إن العديد منهم حرّم من تمويل المشاريع البحثية، وطرد البعض من المؤسسات بشكل مهين وذميم. وواجهت المنظمات الطلابية العقوبات والمضايقات. وتم تهديد الطلاب بشكل منفرد بالطرد. حتى إنه تم التحقيق مع بعضهم وتوجيه تهم إلهم كما لو أنهم مجرمون».

الدفاع عن جرائم الاحتلال

يتألف اللوبي «الإسرائيلي» - كما يوضح المحرران - من شبكة من الأفراد والمنظمات المنحازة للحكومة «الإسرائيلية» التي تعمل بنشاط لقمع أي انتقاد ل«إسرائيل»، أو للدعم الأمريكي لها، وإسكات أي صوت يطالب بالحقوق الفلسطينية. ويوضح المحرران: «إننا نستخدم مصطلح «لوبي» على الرغم من حدود معينة له، فليس هناك مصطلح مثالي لوصف هذه الشبكة من المجموعات الدفاعية المتشابكة والمترابطة والمتسقة، حيث يعد بعضهم قادة في مناصب عليا في الحكومة الأمريكية، والبعض الآخر يشغل مواقع مهمة في النخبة الفكرية، وفي الجامعات، ووسائل الإعلام، والأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني».
ويشير المحرران إلى أن لعبارة «لن نصمت» التي هي عنوان الكتاب أوجهاً متعددة، إذ أنها كانت تطبع على قمصان الناشطين الفلسطينيين والأمريكيين أيضاً. وأخذت العبارة صدى كبيراً بعد أن تم منع الناشط الأمريكي من أصل فلسطيني - عراقي رائد جرار من الصعود على متن طائرة «جيت بلو» بسبب هذا العبارة على قميصه باللغة العربية. وهي تحمل بالنسبة لهما الكثير من المعاني والرسائل عن العدالة ورفع الظلم ومواجهة القمع الثقافي والعسكري والأمني الذي تفرضه «إسرائيل» على الفلسطينيين. ويؤكدان: «لن نصمت، من دون إحقاق العدالة للجميع».

تهديد الأكاديميين

يتحدث كل مشارك في هذا العمل عن تجربته، ومنهم ديفيد كلين، البروفيسور في الرياضيات ومدير برنامج علوم المناخ في جامعة ولاية كاليفورنيا بنورثريدج، وهو عضو تنظيمي وأحد المؤسسين لحملة المقاطعة الثقافية والأكاديمية ل«إسرائيل»، وله كتب من أبرزها: «الرأسمالية وتغير المناخ: علم وسياسة الاحتباس الحراري»، يتناول في ما كتبه الرقابة الصهيونية على ما ينشره بخصوص الصراع الفلسطيني- «الإسرائيلي»، والتهديدات التي طالت أكاديميين دعموه، إلى درجة التهديد بإلحاق الأذى بأطفال من عائلاتهم في حال استمرارهم بنشاطات أكاديمية وثقافية معادية ل«إسرائيل»، ويقول: «استمرت العرائض والرسائل والدعوات من الصهاينة الذين يطالبون بإزالة مقال له على الموقع الإلكتروني» ويضيف: «عندما تبنت جمعية الدراسات الأمريكية والعديد من المنظمات الأكاديمية الأخرى المقاطعة الأكاديمية ل«إسرائيل» في 2013، انضم رئيس جامعة ولاية كاليفورنيا بنورثريدج إلى مستشارة جامعة ولاية كاليفورنيا ومئات رؤساء الجامعات للدفاع عن نظام الفصل العنصري في «إسرائيل» وشجبوا المقاطعة الثقافية والأكاديمية».
وفي استجابة لذلك نشر كلين مقال رأي آخر في صحيفة مدرسية يطرح فيه أسئلة عن القيم الأكاديمية والازدواجية في الدفاع عن الحرية الأكاديمية، حيث يظهر التنديد والشجب إذا تعلق الأمر بتوجيه الانتقادات ل«إسرائيل»، وتختفي الأصوات الحرة عند تعرض مدارس الأطفال الفلسطينيين إلى قصف، إلى جانب الاعتقالات التعسفية للطلاب وأعضاء هيئات التدريس في الجامعات وتعذيبهم. ويعلق في نهاية كلمته بأنه أمام عدم قدرتهم (أعضاء اللوبي «الإسرائيلي») على دحض الحقائق عن التطهير العرقي الذي قامت، وتقوم به «إسرائيل» وترسيخها لنظام الفصل العنصري، ليس لديهم خيار أفضل من فرض الرقابة بكافة أشكالها، واللجوء إلى سياسات التخويف واغتيال الشخصيات المعارضة لسياسات الصهاينة.
ويزخر الكتاب بقصص مشابهة لهذه القصة التي توضح ما يقوم به اللوبي «الإسرائيلي» في الجامعات الأمريكية من تشويه سمعة الأكاديميين المدافعين عن حريتهم الأكاديمية والعلمية، وتوجيه تهديدات لهم بأساليب بشعة تشبه ممارسات جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين.

المحرّران في سطور:

* ويليام روبنسون:

أستاذ علم الاجتماع والدراسات العالمية والدولية، ودراسات أمريكا اللاتينية، في جامعة كاليفورنيا - سانتا باربرا. يكتب في الصحف والمجلات الرصينة، وله العديد من الكتب المهمة، من بين كتبه التي حازت جوائز: «الرأسمالية العالمية وأزمة الإنسانية»، و«أمريكا اللاتينية والعاصمة العالمية».

* مريم س. غريفين:

زميلة ما بعد الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا ديفيس. وهي حاصلة على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة كاليفورنيا- سانتا باربرا ودكتوراه في القانون من كلية القانون بجامعة كاليفورنيا. لها مساهمات فعّالة في المبادرات والمنظمات المناهضة للعنصرية والداعية للمساواة بين الجنسين والعدالة الاقتصادية في جميع أنحاء ولاية كاليفورنيا لأكثر من عقد من الزمان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
فريد زكريا
تظاهرة عمالية في ألمانيا
ستيفانيا باركا
1
آدم تشابنيك وآسا مكيرشر
1
ريتشارد يونغس
1
جوشوا فيراسامي
خلال قمة أوروبية سابقة
مارك ساكليبن
1
تياجو فرنانديز