الأمن الفكري

04:25 صباحا
قراءة دقيقتين
عبدالله الهدية الشحي

يهدف الأمن الفكري في الدول إلى الحفاظ على هويتها والتمسك بالثوابت التي تمثل القواعد التي تبنى عليها هذه الهوية، بالإضافة إلى كونها الرابط الذي يربط بين أبناء الدولة، حيث تعمل هذه الثوابت على صياغة وتحديد سلوك الأفراد وتكيّف ردود أفعالهم تجاه الأحداث وتضمن لمجتمع كل دولة استقلاله وتميزه وبقاءه. ويهدف الأمن الفكري فيما يهدف أيضاً إلى حماية العقول من الغزو والاختراق الفكري ومن الانحراف الثقافي والتطرف الديني، بل إنه يتعدى ذلك كله ليكون من الضروريات الأمنية لحماية المكتسبات والوقوف بحزم ضد كل ما يؤدي إلى الإخلال بالأمن الوطني.
في عصرنا الحالي أدى انتشار المعلومات التي لا يمكن السيطرة على منابعها أو الحد منها على مستوى العالم وفي كل مكان إلى التفاعل معها عبر الحوار والمناقشة والمحاكاة لتتم من خلالها السيطرة الفكرية على العالم في ظل دول المركز المصدرة لهذه المعلومات، وبذلك تتلاشى الدول القومية وتضعف فكرة السيادة الوطنية ويؤول الأمر في نهايته إلى الفكر المصدر الذي يعمل على صياغة عالمية واحدة تضمحل أمامها خصوصيات وملامح هويات الشعوب إن لم تعزز وجودها بأمنها الفكري الذي يؤمن بالثابت الذي لا يتغير مع الزمن وبالمتحول الذي يصلح لعهد ما لكنه لا يصلح لكل الزمن. لهذا كان لزاماً على الدول المستهدفة بالاختراق الفكري أن تحصن شعوبها بالأمن الفكري وتقي أبناءها من فتنة الانبهار بالآخر والانجراف نحو الفكر الضال والانحراف عن القيم، وأن تبتعد بذات الوقت بشعوبها عن قوقعة الجدل والتعصب الذي لا يؤمن بوجود الآخر، فالفكر الذي يقود إلى النكوص نحو الماضي حتماً لا يجدي هنا إن لم يتم التفاعل بشكل متزن مع متطلبات العصر الحالي بالاعتماد على التأمل والابتكار والتطوير. لهذا يقول صاحب المدرسة البرجماتية جون ديوي: «لا فائدة في الفكر إن لم يخدم البشرية». في عصرنا الحالي تتعدد التيارات الفكرية، وبتعددها تتعدد وسائلها وأساليبها في نشر مريديها الذين يعملون بكل الطرق على استقطاب الصغار قبل الكبار، وقد ساعدت مواقع وبرامج التواصل الحديث مآربهم وخططهم، لهذا كان من الضرورة القصوى الاهتمام بفلذات أكبادنا وتحصينهم بالثقة والفكر المستنير بدءاً من أول مرحلة دراسية إلى ما بعد التخرج في الجامعة، حتى لا يقع أحد منهم في فخ أي فكر ضال أو أي اتجاه فكري لا يؤمن بثوابت الهوية الوطنية وحتى لا يعيش الواحد منهم بين فكر ذاك الذي يدعوه إلى الهروب نحو الماضي بتعصب يلغي إنسانيته ويدعوه إلى لبس جلباب من لم يخلقوا لزمنه، بينما يلبس الضال صاحب الدعوة الضالة آخر ما أنتجته الموضات والماركات العالمية، وبين فكر ذاك الذي يلغي الثوابت التي ترتكز عليها هويتنا منذ الأزل فيدعو تحت مظلة النخبوية والحداثة الفكرية إلى فك الارتباط بالتراث والإرث والجذور، وهو الذي إن لامست الرياح أول مضارب مذهبه نراه مذهبياً يصنف الناس ويقصي هذا ويصادر ذاك، فهل لأبنائنا في مراحلهم الدراسية المختلفة بعد كل هذا منهج دراسي متكامل في الأمن الفكري يساعدهم على إدارة أنفسهم وإدارة الحياة بالفن المطلوب ويحصنهم من التيارات الضالة؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"