لا بد من وقفة تمحيص

04:02 صباحا
قراءة دقيقتين
عبدالله الهدية الشحي

رحم الله زمن من كان يردد المثل الشعبي: «من كثر هدره قل قدره»، وغفر الله ذنب من قال: «ما يغثك من الدبش إلا أرداها»، وأثاب الله كل من يعيش في زمننا هذا الذي أصبح فيه كل من يملك جهازاً أو وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي مرشداً اجتماعياً، أو مفتياً أو مدرباً في مجال تطوير الذات وناشطاً اجتماعياً في آن واحد، أو اختصاصي تغذية وخبير تنمية مستدامة، وكل شيء من كل الأشياء وغير الأشياء في ذات الوقت، وأعان المولى، سبحانه وتعالى، من يمتلك القدرات، وأصحاب التخصص، وأهل الرواية والدراية، والتأصيل والتبصير، والتفكير والتدبير، والعلم والفهم، على سيول الغث التي تكاد تقتلعهم من جذورهم، لولا ثلة من الأولين الذين آمنوا بقدراتهم ومكانتهم المجتمعية، وقليل من الآخرين الذين لا تشبه ذاكرتهم ذاكرة السمكة، ولا يتبعون فكر القطيع، ولم تسكنهم ثقافة مراهقة الانتشار في كل اتجاه ومسار.
في زمن شمولية بعض المشاهير الذين لا يملكون مقومات الشمولية، وفي زمن المؤثرين الموسوعيين كما يشاع عنهم، وكما هو حالهم بين مريديهم، فهم في عيون من استخفوا بهم وأطاعوهم المتميزون الذين يجوبون حقول المعارف وبحار التوعية، ويتصدرون المجالس، وهم أهل المقامات المرموقة في المنابر، وهم وحدهم الذين يتبوؤون مكانة ومقاعد هامات المحابر، بينما هم في الحقيقة الصادمة لا يملكون فك رموز أبجديات الفكر والثقافة، ولا يعون أثر ما يفعلونه في المجتمع من ظواهر سلبية قد تبدو ملامح سلبياتها واضحة حتى قبل بزوغ غيومها القاتمة، وأثناء تهافت المؤسسات المجتمعية الرسمية وغير الرسمية على تقديرهم وتمليكهم المنصات والمهمات، وإغداق الأموال عليهم مقابل الترويج والتهييج، وخلق الضجيج، يحدث كل هذا في ظل غياب الرقابة الذاتية والرقابة التخصصية في علم الاجتماع، لذا يجب علينا وبشكل سريع تأطير هذا الوضع، بإنشاء جهة رقابية تتابع كل ما ينشره هؤلاء ومن على شاكلتهم، ليس بغية المصادرة أو الإلغاء أو حباً في السيطرة، وإنما حفاظاً على أثر القدوات في التنشئة، وتعزيزاً لأثر التغيير الإيجابي في الوعي العام، فمن لا يملك الشيء لا يستطيع أن يعطيه.
لا نشكك بمقدرة بعض مشاهير التواصل، ولا نقلل من شأنهم ووضوح رؤيتهم ومساعي رسالتهم، ولكن حين يطفو غثاء سيل المدعين، ويطغى زبد الرتابة والتقليد، وتجتاح ريح الغث بساتين واقع ومأمول من يملك القدرة على التطوير الحقيقي وعلى تقديم الجديد المفيد الذي يؤصل الحرف التليد ويجدد الحاضر الجديد ويرى زهو المستقبل الفريد، علينا ألا نفتح أبواب مدارسنا ومؤسساتنا المجتمعية لكل مشهور لا يسمن ولا يغني من جوع، ليصبح قدوة لطلابنا عبر محاضراته ولقاءاته، وعلينا أيضاً ألا نحتفي إلا بمن يستحق الاحتفاء، فلا بد من وقفة تمحيص وتصحيح بالنسبة لنظرتنا ورأينا بمشاهير عصر التواصل ومضمون محتوى رسالتهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"