الحكمة نيوزيلندية

04:01 صباحا
قراءة دقيقتين
إبراهيم الهاشمي

نيوزيلندا، ذلك البلد المسالم الذي ضرب للعالم أرقى صور التضامن والتعامل الإنساني، ووحدته بكل أعراقه أمام المذبحة التي راح ضحيتها 50 مسلماً في الهجوم الإرهابي على مسجدين في مدينة كرايست تشيرش. على مسلمين غادروا أوطانهم بحثاً عن الأمن والأمان والسكينة في بلد وجدوا فيه كل الود والتسامح والاندماج كمواطنين ضمن النسيج الاجتماعي للمجتمع النيوزيلندي بعيداً عن النوع والعرق والجنس والدين.
لذا كان موقف الحكومة النيوزيلندية متمثلاً في رئيسة الوزراء جاسيندا أردرن صارماً وقوياً ورائعاً يدل على مستوى الوعي والحكمة، وقبله موقف الشعب النيوزيلندي الرائع الذي ضرب أروع الأمثال في التلاحم الإنساني والوحدة الاجتماعية، فتم تشييع الضحايا كمواطنين نيوزيلنديين في تظاهرة شعبية ووطنية، وحداد تمازجت فيه كل الطوائف والملل والأعراق والأجناس ورفع فيه الأذان وأديت صلاة الجمعة، وارتدت النساء في جميع أنحاء البلاد الحجاب تضامناً مع المسلمين.
إن الأسلوب الذي تم فيه التعامل مع تلك المجزرة، سواءً من قبل المسلمين المقيمين في ذلك البلد من خلال ضبط النفس، أو أبناء نيوزيلندا وقيادتهم السياسية من خلال أسلوب تعاملها مع الحدث، وضع الإرهاب بكل أشكاله أمام حقيقة واحدة، أننا متى مارسنا الوعي الحقيقي في التعامل مع الأحداث بعيداً عن الحساسية العرقية أو الدينية أو المذهبية، وبتلاحم الوجود الإنساني القائم على المحبة والسلام والوحدة الوطنية، نستطيع هزيمته ودحره والقضاء عليه.
إن الموقف الإيجابي الذي مارسته الحكومة النيوزيلندية وجميع أجهزتها المختلفة يبين مدى الاحترام والوعي والحكمة بالإضافة إلى ما مارسه الإعلام بكل أشكاله هناك في درء الفتنه بالدعوة إلى التآلف واللحمة الوطنية والدفع إلى مصلحة البلاد، فكانت كلمة «سلام» باللغة العربية والإنجليزية تزين الصفحات الأولى للصحف تضامناً وتعبيراً عن التضامن والتأييد مع أسر الضحايا.
أثبتت نيوزيلندا أنها بلد عريق وأصيل، وأثبت شعبها وعيه العميق بالسلم والتلاحم الإنساني بين كل أطيافه، وأثبتت حكومته قدرتها على التعامل في أحلك الظروف، وضربت للعالم كله مثالاً على الوعي والالتزام والحكمة، ما يجب أن يدرس على مستوى العالم وللكثير من الحكومات التي تدعي الديمقراطية والمساواة وهي تمارس أبشع أمثلة التمييز والعنصرية والإرهاب الدولي والإنساني.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"