الفكر والتطور

03:01 صباحا
قراءة دقيقتين
عبدالله الهدية الشحي

على الرغم من أننا ندرك بكل أبجديات العقل، ونفهم بامتداد مدى البصيرة، معنى وفحوى مصطلح الفكر التربوي، كونه عملية تقوم على دراسة آراء المفكرين والتربويين فيما ذكروه في مؤلفاتهم، وذلك بما له علاقةٌ بالعملية التعليمية ووسائلها، وأهدافها، وفلسفتها، إلا أن بعضنا مازال يتجه بهذا الفكر بدلاً من التطبيق والتحليل والتركيب والاستنتاج وإصدار الأحكام نحو الجدل والتعصب الذي لا يؤمن بوجود الآخر، يحدث هذا من قبل الذين يسعون إلى تشخيص الفكر وتقديس الشخصيات، بحجة أن السلف لم يتركوا للخلف شيئاً جديداً، تماماً كما لم يترك الشعراء الذين سبقوا عنترة له ما يرقعه ويستصلحه في شعره حين قال: «هل غادر الشعراء من متردم»، فليته حينها استبدل كم بهل، فأغنى مسامعنا عن سماع إنشاد ودندنة الذين يقدسون معلقته الطللية، ويحدث أيضاً من الجهة الأخرى من قبل أولئك الذين يسعون إلى زعزعة الثوابت، ومحو الهوية، واضمحلال الخصوصيات الثقافية، بحجة أن العالم يتجه من الشمولية إلى التعددية بواسطة ثورة المعلومات التي تؤدي إلى تجاوز الحدود عبر سهولة التواصل الحديث الذي يعتمد على حرية الحوار والمحاكاة والمنافسة وتعدد سبل الاختراق والتنوير، فهل سيدرك أصحاب الشعارات التي ملأت المسامع مسخاً دون وجود مشروع نهضوي تنموي محدد الرؤى والمعالم بأن خط الزمن لا يقطع، وأن الانشغال بالثنائية ضرب من الحمق، وأن القطيعة المعرفية لا تعني القطيعة مع الماضي، وأن حضور الماضي ضرورة من أجل المحافظة عليه وإخراجه من مضمونه القديم إلى أفق جديد يواكب متطلبات الزمان والمكان.
نكاد نعلم علم اليقين أن الركب الفكري أصبح يعيش بمسيرته الحالية والطارئة الحيرة تلو الحيرة وخاصة بعد أن ضل السبيل حين عطل هؤلاء بوصلتهم فغدت القافلة تنيخ بضاعتها في مواضع الأطلال التي درست بعوامل حركة الزمن النهضوية، وحين اتخذ أولئك الدخيل دليلاً دون إلقاء النظرة الإيجابية إلى زوايا ودروب الأصل المفيد والتأصيل المنير.
ونحن على مقربة من أصداء ما يجري، لا بد أن نؤكد أن العالم بكل مكوناته ليس مصدر تعلم فحسب، وإنما هو بيئة خصبة للتعلم، وأن المعلم الرمز الذي كان مصدر المعرفة أصبح اليوم جزءاً من التربية والتطوير، ومن العملية التعليمية التعلمية التوعوية، وأن الأمور تقاس بنتائجها المرحلية قبل نهايتها، وأن الفكر يمر بمراحل الواقع والصحيح والحقيقة والوجود دون ضرر أو ضرار، وأن ما يجب أن يكون لا بد أن يكون بصحبة الفن الممكن الذي ترعاه القيم، وأن الناس مذاهب وملل، وأن الكل يغني على ليلاه بما امتلك من سحر بيان وقوة تأثير، وأن الكل أيضاً يدّعي وصلاً بليلى سواء كان ممن أقرت لهم بذاك أم كان حاله حال من قال عنهم الشاعر:

وكلٌّ يدّعي وصلاً بليلى
              وليلى لا تقر لهم بذاكا

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"