بناء القيم

04:05 صباحا
قراءة دقيقتين

عبد الله الهدية الشحي
اعتقد الصينيون بعد الانتهاء من بناء سورهم العظيم بأن هذا السور الذي يصعب تسلقه أو اقتحامه، سيمنع الأعداء من غزو بلادهم، ولكن للأسف الشديد تم اختراقه 3 مرات خلال ثلاث غزوات تعرضت لها الصين في المئة سنة الأولى من تشييده، فقد تم ذلك فعلاً حين أدرك الغزاة بأن نقطة ضعف السور تكمن في قيم ومبادئ حراسه، وليس في قامته الشامخة وقيمته المكلفة، حيث كانت رشوة الحراس وحدها كفيلة بفتح أبواب السور أمام جحافلهم دون الحاجة إلى التسلق أو فتح الثغرات عبر وسائل الاقتحام المعتادة وغير المعتادة.
في ذاك الزمن حدث كل هذا التكرار دون أن يدرك الصينيون حينها بأن بناء البشر يجب أن يسبق بناء الحجر.
يقال: إذا أردت أن تهدم حضارة أمة ما، فعليك بثلاثة معاول للهدم، أولها: هدم الأسرة بتفكيكها وتهميش دور الأم والأب، ثم هدم التعليم بهدم منظومة القيم وبضياع هيبة المعلم ومكانته، وأخيراً بمعول إسقاط قيمة الرموز الوطنية والتشكيك بقدراتها الإبداعية العلمية والفكرية والثقافية، إذ يحدث هذا في زمننا الحالي بشكل أو بآخر سيان، بوجود فرضية المؤامرة، التي يؤمن بها بعضنا من قبل الآخر، أو عدم وجودها وسواء عبر الاختراق الفكري المنظم أو العفوي، أو عبر التقليد الأعمى خصوصاً في ظل غياب الرقيب بسبب معاول الهدم التي تأتي من قبل مد طوفان بعض عوالم العلاقات الافتراضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، التي أصبحت تتطلب الجهد تلو الجهد في سبيل إيضاح المفيد منها ونبذ الغث المدمر، حيث تقع المسؤولية، والدور الرئيسي هنا على عاتق البيت والمدرسة ووسائل الإعلام والمؤسسات التي تعنى بمراحل الطفولة والناشئة والشباب وفق خطة استراتيجية محكمة ومفعمة بمشاريع الأخلاق والقيم، وبسبل ووسائل تغيير القناعات والاهتمامات وتوضيح دور العلاقات المفيدة ونوع القدوات التي يجب الاقتداء بها لتكون المثل الأعلى ونبراساً للنجاح والتفوق.
لا شك أننا نعيش في ظل وجودنا الحتمي في عالم التواصل الحديث، الذي غير الكثير من المفاهيم والقناعات، وأثر بشكل أو بآخر في قناعات فلذات أكبادنا، بل وفينا كآباء وأمهات أيضاً، من حيث ندري ولا ندري، كون هذا الطوفان لديه من المغريات والمستجدات ما يجعلنا في حيرة من أمرنا، خصوصاً حين يصفق الجميع بحرارة شديدة لصاحب السخافة، وعندما تزداد أعداد مريدي من يدعي الثقافة وحين نسمع عن الأدوار التي يقوم بها أصحاب الفكر الضال بتضليل غير المحصن قيماً ومن لا فكر مفيد له عبر الإغراء أو بتوظيف الوسائل النفسية المؤثرة والمبرمجة مسبقاً عن طريق بوابة عاطفة المتلقي التي تسيطر على أغلبنا، فهل نحن ننتبه على ما يجري حولنا؟ وهل ندرك خطر طوفان معاول الهدم التي أصبحت تحاصر وتشغل عقولنا وعقول فلذات أكبادنا؟ وإن كنا ندرك كل ذلك ترى ما دورنا العملي الذي يجب أن نقوم به؟.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"