بين الإملاق والأخلاق

04:18 صباحا
قراءة 3 دقائق
عبدالله الهدية الشحي
وردت في كتاب كيف تصبح إنساناً؟ لمؤلفه الدكتور شريف عرفة قصة عم عبده والصيدلي التي جاء فيها أن زوجة عم عبده كانت تعاني من مرض خطر يهدد حياتها وقد أجمع الأطباء على أنه لا علاج لمرضها سوى تلك التركيبة الجديدة التي اخترعها ذاك الصيدلي الذي يعيش في القرية نفسها التي يسكنها عم عبده، وحين ذهب ليشتري الدواء لزوجته طلب منه الصيدلي مبلغ 2000 جنيه مصري ولم يكن عم عبده يملك هذا المبلغ المبالغ فيه كثيراً فهو يساوي عشرة أضعاف تكلفة تحضير الدواء، حينها قرر أن يجمع المبلغ لينقذ زوجته فاستدان ممن يعرفهم من أبناء القرية لكنه لم يستطع أن يجمع نصف المبلغ المطلوب فذهب إلى الصيدلي وراح يرجوه ويخبره بين الفينة والأخرى بأن زوجته ستموت إن لم يخفض السعر أو يمهله لدفع المبلغ لاحقاً إلا أن الصيدلي رفض، فرجع عم عبده إلى منزله حزيناً، وحين حل الليل قرر أن يتسلل إلى الصيدلية ويحصل على الدواء المطلوب حيث تنتهي القصة بهذا المشهد الذي ربما راق إلى بعضنا واستهجنه بعضنا الآخر حين نتساءل جميعاً: هل يحق للعم عبده أن يحصل على الدواء بهذه الطريقة؟ ولماذا بعضنا معه في هذا الموقف وبعضنا ليس معه؟ ولماذا استخدم العلماء هذه القصة لتحديد المستوى الأخلاقي للناس عن طريق تحليل إجاباتهم؟
وهل الإجابة بنعم أو لا ليست بالمهمة بقدر تبرير لماذا نعم ولماذا لا؟.
في سياق قصة عم عبده يستمر التباين الأزلي في الآراء والمواقف حول الأولوية في قضية تجاوز الفقر على حساب الأخلاق أو التقيد بالأخلاق على حساب موت الإنسان مرضاً وجوعاً وأيهما الأجدر بالوجود في حالة الإملاق الشديد حيث يقول المثل عندما يدخل الفقر من النافذة يهرب الحب من الباب، والمثل الهندي يقول: «يصنع الفقر لصوصاً كما يصنع الحب شعراء».
والسؤال هنا هل يستطيع الشعراء صنع الحب في حال كون الحب لا يسمن ولا يغني من جوع؟
قال بعض المتقدمين: المال في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة، ومن جعل الفقر لحافاً فهو غريب أينما كان. وفي المقابل قيل للكندي فلان غني، فقال: أنا أعلم أن له مالاً ولكني لا أعلم أغني هو أم لا، لأني لا أدري كيف يعمل في ماله، وقد قيل لابن عمر توفي زيد بن ثابت وترك مئة ألف درهم، قال: هو تركها لكنها لم تتركه. ويقول الحسن البصري قرأت في تسعين موضعاً من القرآن أن الله قدر الأرزاق وضمنها لخلقه، وقرأت في موضع واحد الشيطان يعدكم الفقر فشككنا في قول الصادق في تسعين موضعاً وصدقنا قول الكاذب في موضع واحد. وللمتنبي بيت شعر يقول فيه: ومن ينفق الساعات في جمع ماله... مخافة فقر فالذي فعل الفقر، أما الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الذي عدل فأمن ونام على الأرض فوق الرمل قرير العين فقد خاطب بطنه قائلاً: قرقر أيها البطن أو لا تقرقر فوالله لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبية المسلمين. فحتى لا نفترق في رأينا حول تصرف عم عبده وحتى لا نسمع من يردد المثل الشعبي الجوع كافر، والحاجة بنت حرام، وحتى لا نجد غريباً يعيش التغريب في وطننا العربي وعالمنا الإسلامي على المقتدر منا كل حسب استطاعته ونحن نستقبل رمضان الكريم الجود بالصدقات وإخراج الزكاة وزيادة التبرعات داخل وخارج الدولة عن طريق الهيئات المرخصة من قبل الدولة حتى تصل فعلاً إلى مستحقيها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"