حتى لا يذهب الجهد سدى

05:32 صباحا
قراءة دقيقتين
عبدالله الهدية الشحي

يقول المثل الإنجليزي: «القليل من المعرفة شيء خطر»، فالإنسان إذا حصل على قليل من المعرفة، ربما يصبح مخدوع نفسه وخادعها، فيضعها في مكان لا تستحقه، وتصور له هي بلوغ المرام وتزين له بزخرف الأماني المكانة التي يتمناها فيرتدي بأحلام يقظته جلباب الإبداع ويلبس عمامة المتحدث والبارع بما لم يأت به السابقون وما لن يأتي به اللاحقون وليته يقف عند هذا ولا يقوم بتضليل الناس وجعلهم يعتقدون أنه الخبير والعالم والبصير بالأمور، فيؤدي به هذا الأمر لارتكاب الأخطاء الجسيمة. يحدث هذا في الوقت الذي يردد داخله المثل الشعبي الذي يقول: «كذب مرتب ولا صدق مخربط»، فكيف إذا كان الصدق والكذب في نظر المتلقين «مخربطين» معاً.
يُحكى أنه في قديم الزمان، كانت جماعة من البدو الرحل، مسافرة في أحد الوديان، وحين شعر أفرادها بالتعب، قرروا نصب خيمتهم، وبينما هم يتسامرون ويشربون القهوة شاهدوا بعض الرمال والحجارة الصغيرة تتساقط من الجبل، فشعروا بالخوف الشديد وظنوا أن زلزالًا سيحدث أو بركاناً سينفجر، وحين نهضوا والذعر يسكنهم لمراقبة الجبل واستطلاع الأمر، خرج فأر من أحد الجحور أمام أعينهم مسرعاً فضحك الجميع وقال أحدهم: «تمخض الجبل فولد فأراً»، فما أكثر الفئران التي تلدها الجلسات الحوارية الكبيرة، والمنتديات وورش العمل التي قيل عن شأنها قبل حدوثها ما قيل من الإطراء، في كل الشهور خاصة في المجالس الرمضانية.
رائعة تلك الصورة التي يقف فيها الحمار أمام المرآة، فيتخيل نفسه حصاناً، ثم بلمح البصر يرى أنه قد أصبح حقاً براقاً بأجنحته المذهلة وبكامل هيئته المدهشة، فيعرج في فضاء الشهرة، ويخترق النجوم، ويتخطى الكواكب، لتزداد نفسه كيل فيل من تضخم الأنا الكاذبة التي لا تمت للحقيقة بقيد أنملة، وكم هي مفيدة تلك الحكاية التي تروى عن خروج ضفدعتين أختين للنزهة، فأرادت إحداهما أن تصبح فيلاً، فما كان منها لتصل إلى حلمها إلا شرب الماء، فشربت مراراً وتكراراً، حتى بلغ انتفاخ بطنها حداً لا يمكن بعده استيعاب قطرة أخرى بينما لم يبلغ حجمها قيد أذن الفيل، لكنها كانت تصر على بلوغ المستحيل الذي لا تملك مقوماته فشربت الرشفة الأخيرة لتنفجر بعد ذلك وتنهي حياتها بنفسها دون أن تحقق شيئاً من حلمها غير المبرر، فمن لا يملك الأدوات ليس عليه الزج بنفسه في مواقف لا تحمد عقباها.
لا شك بأن كثيراً من مجالس العلم والفكر والثقافة، وبرامج التنمية المستدامة، وحراك التوعية الشاملة بشكل عام، التي تقوم بتنفيذها الوزارات والهيئات والمؤسسات تؤتي أكلها حسب الرؤى والأهداف المحددة ولكن يا حبذا من أجل أن لا يذهب الجهد سدى، لو يتم اختيار المحاضرين والمتحدثين حسب الاختصاص بحيث لا يطرح الموضوع المستهدف من قبل غير المختصين ممن لا يملكون المعلومات ومن يفتقدون التجديد والتطوير وواقعية الطرح مع العناية بأساليب التشويق شرط أن لا يراهن المحاضر بحبه للوطن على حساب الحضور بنغمته وعباراته المكررة فالكل يحب الوطن حتى النخاع والكل يفخر حين يعزز لديه هذا الجانب من مبدأ «حدثني عنك أسمعك وقد أستمع إليك.. حدثني عني أحبك».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"