لماذا ندعوهم إلى التقاعد؟

04:06 صباحا
قراءة دقيقتين
عبدالله الهدية الشحي

رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بباب قوم، رجلاً كبيراً ضرير البصر فقال له: من أي أهل الكتاب أنت؟ قال: يهودي، قال فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: الجزية والحاجة والسن، فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله، فأكرمه وتلطف معه في الكلام، ثم أرسل إلى خازن بيت المال، وقال: «انظر هذا وضرباءه فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته، ثم نخذله عند الكبر» فوضع عنه الجزية، وكتب للولاة أن لا يكلفوا الناس ما لا يطيقون، وأن يسقطوا الجزية عن الكبير والعاجز، وأن يفرضوا لهم من بيت مال المسلمين ما يكفيهم، حدث هذا قبل حوالي 1400 عام، فما بالنا ونحن في القرن الحادي والعشرين، قرن التشريعات وعهد قياس السعادة، وزمن العمل المؤسسي الذي يهتم بتنمية ورعاية الجوانب الاجتماعية، نسمع ولكننا لا نستمع إلى تساؤلات الموظفين، الذين تدعوهم وتحثهم بعض الجهات إلى التقاعد المبكر، دون مراعاة لظروفهم المعيشية ووضعهم المالي في حال موافقتهم على التقاعد الذي سيأكل الأخضر من وراتبهم ولا يبقي لهم سوى اليابس منها.
مسكين هو حصان البلدية، ذاك الذي تطلق عليه رصاصة الرحمة بعد أن يتم الاستغناء عن خدمته، ليفارق الحياة مظلوماً مكلوماً، لا لذنبٍ اقترفه سوى أنه كان على قدر كبير من المسؤولية المناطة به، والتي كان يتباهى بها المسؤول عنه، وهو الذي كان يعلم بذات الوقت بمصيره المحتوم والمختوم برصاصة الرحمة، وربما ظل هو من يخبئ له هذه الرصاصة دون مراعاة لمسيرته العملية وعلاقته الشعورية معه، وهو الأعلم بمشاعر الحصان الصادقة تجاهه ومدى إخلاصه في عمله، تماماً كما هو حال ابن جني، الذي قال عنه المتنبي ذات يوم: ابن جنّي أعلم بشعري منّي، إلا أن ابن جني ظل حريصا على تشجيع وتقدير المتنبي، وظل المتنبي حريصاً على شكر ومراعاة وجود ابن جني معه وبجانبه.
لم يخطر على بال المتنبي وابن جني يوماً بأن رصاصة الرحمة ستكون حقيقة ثابتة بعد زمن طويل من وفاتهما، ومثلاً يضرب على جزاء الإخلاص، وهما اللذان قد أنكرا من قبل ومن بعد جزاء سنمار، بينما أصبحنا نحن بعد زمن طويل منهما، ورغم علمنا بفضل المميزين والمتميزين من أصحاب الخبرة الطويلة من الموظفين، الذين أسهموا بشكل كبير في نجاح جهات عملهم، إلا أننا نطلق عليهم اليوم رصاصة عدم الاهتمام، وعدم مراعاة مشاعرهم الإنسانية، إما باللمز والغمز بعدم جدواهم أو بالمصارحة المباشرة، من أجل حثهم على التقاعد بحجة تجديد الدماء، وكأن الدماء الجديدة قد استمدت خبرتها من وادي عبقر، وليس من أجل حاجة في نفس هذا المسؤول أو ذاك.
نقر بأن أصحاب الخبرة الطويلة في بيئات العمل ليسوا سواء، من حيث التطوير والتحديث المستمر، ومواكبة متطلبات عهد المعرفة والتفاعل مع التنمية المهنية المستدامة، ووعي حراك التنافسية في المعايير العالمية للإنتاج المهني، ولكننا بذات الوقت نقر ونعترف، بأن هناك أهل خبرة وحنكة من المواطنين، الذين لا يمكن الاستغناء عنهم بداعي مزاج بعض المسؤولين، الذين لا يألون جهداً في توظيف أولي القربى، والصاحب في الطفولة أو الغريب المبهر لكونه غريباً فقط.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"