«الحرس الثوري» تحت المجهر الأمريكي

03:52 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

لوّحت الولايات المتحدة بورقة ضغط جديدة تجاه إيران، وذلك عبر احتمالية تصنيف «الحرس الثوري» الإيراني كمنظمة إرهابية، وجاءت ردود فعل طهران عنيفة تجاه النوايا الأمريكية، وهدّد مسؤولون إيرانيون بضرب القوات الأمريكية في المنطقة، واعتبارها «أهدافاً مشروعة»، لعملياتهم، وبدت التصريحات الإيرانية تجاه هذه الخطوة أكثر حدّة من موقفها إزاء نية الرئيس الأمريكي انسحاب بلاده من الاتفاق النووي.
الموقف الأمريكي الجديد تجاه «الحرس الثوري» يمثل تحولاً جذرياً عن سياسات أوباما السابقة، ويعدّ نوعاً من التصعيد ضد واحدة من أهم المؤسسات الإيرانية، فهذه المؤسسة ليست فقط مؤسسة عسكرية، وإنما مؤسسة متعددة الأدوار، وإدراجها من قبل أعظم قوة في العالم يهدد تلك الأدوار، ليس فقط على المستوى الخارجي، بل أيضاً على مستوى الأدوار الداخلية التي يلعبها «الحرس الثوري» في رسم سياسات البلاد السياسية والاقتصادية، فهو من أكبر وأهم الشركاء في النظام السياسي الإيراني.

تمّ إنشاء «الحرس الثوري» الإيراني ظاهرياً تحت شعار «الحفاظ على الجمهورية والثورة الإسلامية»، لكن الدافع الرئيسي كان نتيجة مخاوف لدى قادة الثورة الإيرانية من وجود بقايا ضباط كبار في الجيش الإيراني يدينون بالولاء للشاه. وفي الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، لعب «الحرس الثوري» دوراً مهماً، كما أنه منذ تأسيسه تمدّد داخلياً وخارجياً، وأصبح شريكاً في مجمل العمليات الاقتصادية المشروعة وغير المشروعة، وله دور كبير في إدارة اقتصاد الظل (الاقتصاد الأسود)، خصوصاً عبر المنافذ البحرية والجوية التي يشرف عليها، ولا تخضع لسلطة الجمارك، وقد أسهم «الحرس الثوري» في تنفيذ عدد كبير من المشاريع الاقتصادية الداخلية، والتي مكنته من التحوّل إلى واحدة من أقوى المؤسسات المالية في إيران.

ويعتبر كثير من الباحثين أن «الحرس الثوري» بمنزلة العصب الرئيسي للنظام الإيراني، و«دولة داخل الدولة»، فقد أشرف على الصناعات العسكرية وعمليات تطويرها المستمرة، كما شارك في عطاءات مشروعات البناء الضخمة، وذلك من خلال شركة «قرب» التي أسسها عدد من مهندسيه، ويرأس مجلس إدارتها قياديون من الحرس نفسه، كما منحت الشركة الوطنية للنفط هذه الشركة عدداً من المشاريع الضخمة من دون مناقصات، ومنها مشروع توسعة المرحلتين 15 و16 من «حقل فارس الجنوبي»، كما منحت الشركة الوطنية للغاز مشروعاً آخر ل «قرب» سمي ب «خط السلام»، وطوله 600 ميل، ويمتد من إيران إلى باكستان والهند، بالإضافة إلى دخول «الحرس الثوري» على خط الاستثمار في قطاع الاتصالات.
لقد ولّد «الحرس الثوري» ديناميات مختلفة ليكون جزءاً رئيسياً في صناعة القرار السياسي، بالإضافة إلى دوره العسكري والأمني، ومنها دخول عدد من رجالاته إلى معترك الحياة السياسية، الذين أصبحوا في مواقع سياسية مهمة، منها «مجلس الشورى»، وبذلك فقد تمكّن من إيجاد نفوذ كبير له في مختلف قطاعات الدولة، وآليات صنع القرار، وقد أتاح له ذلك حماية كبيرة من المساءلة والنقد، عبر تحكمه بشبكة واسعة من المصالح، وأدوات الضغط.
وخلال السنوات التي تلت الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، ازداد نفوذ «الحرس الثوري» الخارجي، عبر إشرافه على الملف العراقي من الناحية العسكرية، وخصوصاً في تأسيس ميليشيات تابعة لإيران، كما أوضحت السنوات السابقة من الصراع السوري مدى القوة والنفوذ اللذين يتمتع بهما، وتوسّع خريطة نفوذه على رقعة واسعة في المشرق العربي، وبنائه شراكات واسعة مع تنظيمات عسكرية غير نظامية، تقوم بلعب أدوار وظيفية لمصلحة طهران، وسياساتها في المنطقة.
إن نية الرئيس الأمريكي بتصنيف «الحرس الثوري» كمنظمة إرهابية تأتي في إطار هندسة عكسية من قبل الولايات المتحدة في مواجهة النفوذ الإيراني، خصوصاً أن توقيع الاتفاق النووي قد شكّل نوعاً من الارتياح بالنسبة لطهران، وأعطى إشارة لها بعدم وجود اعتراض أمريكي على نفوذها في الشرق الأوسط، وهو ما أدى فعلياً إلى مزيد من الخلل في منظومة الأمن والاستقرار، وإلى زيادة عوامل الانقسام، وارتفاع وتيرة الصراع، وقد شكّل «الحرس الثوري» رأس حربة في سياسات طهران تجاه المنطقة.
وبناءً عليه، فإن الولايات المتحدة تريد فعلياً وضع «الحرس الثوري» تحت المجهر، والضغط عليه، وسحب شرعيته من التدخل المباشر وغير المباشر في ساحات نفوذه خارج إيران، وهي الساحات التي مدّته بشرعية ونفوذ داخليين، ومكنته من إحراز هيمنة واسعة داخل القرار السياسي، وبالتالي فإن خطوات التصعيد الأمريكي تجاه هذه المؤسسة ستزداد، في إطار إعادة رسم ملامح التوازن في المنطقة، لكن نجاح هذا التصعيد الأمريكي لن يكون كافياً أو مجدياً من دون وجود استراتيجية متكاملة تجاه مجمل قضايا الشرق الأوسط، وهو ما لا يبدو واضحاً حتى اليوم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"