«زد تي سي» عملاق اقتصادي أم خطر أمني؟

01:36 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي*

أواخر 2011 بدأت لجنة المخابرات بمجلس النواب الأمريكي تحقيقا استمر لمدة عام كامل تقريبا بشأن المصالح التجارية في الولايات المتحدة لكل من شركتي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات «هواوي» و «زد تي سي»، وعلاقتهما مع الحكومة الصينية.
في أبريل/‏ نيسان فرضت الإدارة الأمريكية حظراً على الشركة الصينية «زد تي سي» التي تصنع الهواتف المحمولة الرخيصة، من شراء مكونات تقنية أمريكية لسبع سنوات، عقاباً على إخفائها صفقات بيع غير قانونية مع كوريا الشمالية وإيران. وخلال السنوات القليلة الماضية، دخلت «زد تي سي»، في نزاعات متكررة مع الحكومة الأمريكية، وذلك لأن الكثير من منتجاتها تشتمل على تكنولوجيا أمريكية - تكنولوجيا يجب، بحكم القانون، ألا يتم تصديرها إلى دول عليها حظر تجاري مثل كوريا الشمالية وإيران، ولكنها وفق الاتهامات الأمريكية كانت تلتف على الحظر.
وأدى الحظر الأمريكي على عملاق الهواتف الصينية الذي يعمل به أكثر من 70 ألف موظف إلى تعرضه لصعوبات مالية حادة. وقد اضطره هذا الإجراء إلى وقف عملياته الرئيسية.. وفجأة أعلن الرئيس ترامب أنه سيدع «زد تي سي» تستأنف أعمالها مع شركات أمريكية بعد أن تجري تغييرات إدارية، ثم أعلن وزير التجارة الأمريكي ويلبر روس أنه تم التوصل لاتفاق على رفع الحظر عن الشركة الصينية مقابل بعض الشروط، حيث ستقوم شركة «زد تي سي» بتغيير مجلس إدارتها وطاقمها التنفيذي. وسيترتب عليها أن تدفع غرامة مقدارها مليار دولار وأن تضع مبلغ أربعمئة مليون دولار كضمان قانوني تتم مصادرته إذا خرقت الشركة بنود الاتفاق. وقال روس إن «زد تي سي» سيتعين عليها أن تعين فريق عمل للتحقق من التزامها بالاتفاق، يتم اختياره من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. ووصف روس الاتفاق بأنه «تسوية صارمة للغاية، وسيكون رادعا قويا لشركة زد تي سي وأي متلاعبين آخرين. وكان الرئيس ترامب قد صرح بأن حظر «زد تي سي» أضر بالعديد من الشركات الأمريكية، وإنه يضر بموردي القطع الأمريكيين. تحول موقف ترامب أثار العديد من الانتقادات، حتى داخل فريقه وبين عدد متزايد من المشرعين الأمريكيين. إذ يقولون إن رفع الحظر عن «زد تي سي» سيهدد الأمن القومي الأمريكي. فسبق أن حظرت وزارة الدفاع الأمريكية مبيعاتِ تلك الشركة على القواعد العسكرية، عقب تحذيرات من وكالات الاستخبارات المركزية الأمريكية تتهم الشركة بالتلاعب بالهواتف المحمولة لحساب الحكومة الصينية حتى يمكن استخدامها لأغراض المراقبة. كما سبق أن أعرب رؤساء وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن القومي ووكالات أخرى بالإجماع عن قلقهم إزاء الشركات التي تتخذ من الصين مقرًا لها. وصرح مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي: «نحن نشعر بقلق عميق إزاء مخاطر السماح لأي شركة أو كيان مملوك للحكومات الأجنبية التي لا تتشارك معنا نفس قيمنا في الحصول على مراكز السلطة داخل شبكات الاتصالات الخاصة بنا».
وقال السيناتور الجمهوري تشارلز إي جراسلي: «من الصعب معاقبة هذه الشركة الصينية ثم التراجع عن كل شيء، إنهما أمران لا يجتمعان ولا يتناسبان مع بعضهما البعض». كما قال زميله ماركو روبيو «آمل ألا يبدأ جانبنا في التنازل والتراجع أمام الصينيين». أما الحزب الديمقراطي فيذهب خطوة لما هو أبعد من ذلك، حيث إنه رمى ترامب بأن القرارات التي تخص «زد تي سي» لها علاقة بمصالحه الشخصية. وذات صلة بمشروعات بملايين الدولارات في إندونيسيا، حيث تشارك بها إمبراطورية ترامب التجارية بصورة غير مباشرة. في إشارة إلى أنه قبل بضعة أيام من تحول ترامب عن قراره، منحت الحكومة الصينية أكثر من 500 مليون دولار من القروض الحكومية لبناء مدينة ملاهٍ بالقرب من العاصمة الإندونيسية جاكرتا. وأن منظمة ترامب، التي يتزعمها أبناؤه، والتي لا يزال يملكها الرئيس الأمريكي، تخطط لإقامة فندق فاخر، وملعب جولف مع نادٍ ريفي، وفيلات وشقق فاخرة للبيع. ويرى محللون أنه من الممكن أن تكون هذه الأمور مجرد مصادفة. إن شركات الهواتف الصينية العملاقة، تتعرض على مدار سنوات عديدة ماضية لمشاكل، على خلفية اتهامها بتزويد القوات المسلحة الصينية بخدمات مخابراتية، بالإضافة إلى اتهامات بممارسة أنشطة تجارية مخالفة للقانون، ولهذا نرى العبوس في وجوه بعض الدبلوماسيين ومديري الشركات الغربية عندما تذكر «زد تي سي»، ربما لأن «زد تي سي» مثل كل الشركات الصينية متسارعة النمو، ومهووسة بالحصول على التكنولوجيا المتطورة، ونذكر أنه في أواخر 2011 بدأت لجنة المخابرات بمجلس النواب الأمريكي (المشار إليها باسم HPSCI) تحقيقا استمر لمدة عام كامل تقريبا بشأن المصالح التجارية في الولايات المتحدة لكل من شركتي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الصينيتين، «هواوي» و «زد تي سي»، وعلاقتهما مع الحكومة الصينية، وفي 8 أكتوبر /‏تشرين الأول 2012، أعلنت اللجنة تقريرها المتضمن نتائج التحقيق بشأن الشركتين. ويقول التقرير: إن أجهزة الاستخبارات الصينية بإمكانها التجسس على الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام معدات الشركتين للعبث في شبكات الاتصالات الأمريكية. وأشار التقرير أيضا إلى أن الشركتين لم تقدما توضيحا كافيا حول مصالحهما التجارية في الولايات المتحدة ومدى علاقاتهما مع الحكومة الصينية، وبالتالي ينبغي منعهما من الاندماج مع الشركات الأمريكية أو الاستحواذ عليها أو الحصول على عقود في الولايات المتحدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"