«عيد المياه» وفرص العمل

03:56 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. لويس حبيقة

يوم 22 مارس/‏آذار من كل سنة هو عيد المياه. تحت شعار «المياه وفرص العمل»، حيث تم ربط صناعة المياه بتوافر فرص العمل أي تحقيق ما يعرف بالتنمية المستدامة.
في إحصائيات الأمم المتحدة، نصف عمال العالم أو 1.5 مليار شخص يعملون في قطاعات مرتبطة بالمياه كالري والزراعة، معالجة مادة المياه وصيانتها وتحليتها والهندسة المائية كما في كافة البحوث والتطوير المتعلقة بها. هنالك أعمال مرتبطة بشكل غير مباشر بالمياه ولا يمكن تصورها من دون توافر مياه عذبة بدءاً من السياحة إلى الإنشاء والغذاء وغيرها. التطور المدني يؤثر في المياه خاصة وأنه يتم عشوائياً في الدول النامية ودون النظر إلى المناخ والنوعية البيئية ليس فقط في المياه، وإنما أيضاً في الهواء والعوامل الحياتية والغذائية والصحية عموماً. الامتداد الصناعي حاصل ومهم للنمو والتنمية، لكن يجب أن يحصل ضمن معياري توافر المياه الجيدة واحترام الشروط البيئية.
مهما تكلمنا عن السلع والمواد الأساسية بالرغم من أهميتها، فهي لا يمكن أن توازي المياه في تأثيرها المباشر في الحياة وفي واقع ومستقبل توزع الإنسان على الأرض. موضوع المياه مرتبط بالأمن والاجتماع والاقتصاد كما بالبيئة. عدم توافر مياه يمكن أن يسبب حروباً، وهذا ما حصل مراراً عبر التاريخ ويجب أن نتابع بكل دقة ما يجري بين مصر وإثيوبيا بشأن مياه «النيل» ولا بد من دور عربي ناشط وجامع لوضع الحلول ومنع الصدام. فالجغرافيا الاقتصادية لا تعني شيئاً من دون مياه عذبة متوافرة للإنسان. المياه غير موزعة بشكل عادل بين الدول والمناطق والقارات كما هي غير متوافرة بنفس الكمية عبر الفصول، وبالتالي وجب التخزين والنقل وكلاهما مكلفان. أهمية المياه ترتفع اليوم مع التغير المناخي المؤثر بشكل مباشر في توافر المياه ونوعيتها أي في صحة وغذاء الإنسان. ما يدعو للعجب هو عدم اقتناع الرئيس الأمريكي المنتخب «دونالد ترامب» بوجود تغير مناخي بالرغم من إجماع العالم دولاً وجامعات ومختبرات ومراكز بحوث على خطورته.
في الواقع لا تتوافر المياه النظيفة أياً كان مصدرها في كل الدول. تشير الإحصائيات إلى أن 6 آلاف طفل يموتون يومياً من الأمراض التي يأتي قسم كبير منها عبر المياه. المناطق المعرضة هي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كما القارة السوداء حتى دولة جنوب إفريقيا. نضيف إليها الهند وبولونيا. يبلغ عدد سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 432 مليون شخص وسيرتفع العدد إلى 692 مليوناً في سنة 2050. أما القارة السوداء، فسكانها يقاربون اليوم 936 مليوناً وسيصلوا إلى مليارين في سنة 2050. هنالك مشكلة سكانية واضحة في منطقتين تعانيان أصلاً من عدم توافر المياه بكميات كافية ونوعية
مقبولة. هنالك مناطق ضمن الدول تشح فيها المياه ونخص بالذكر ولاية كاليفورنيا التي تعاني سوء توافر المياه لكافة الحاجات. هنالك جفاف كاليفورني واسع نتيجة امتداد الصحراء والمناخ المرتبط بها. تتم تحلية المياه لكن الحل يكمن في توافر الأمطار التي تبقى نادرة. تعاني كاليفورنيا أيضاً التلوث الذي يصيب نوعية المياه. هنالك 15 ألف مصنع تحلية في العالم معظمهم يعتمد على المحروقات. لا بد من استعمال الطاقة الشمسية والهوائية أكثر في هذه الصناعة. في كل حال، من الأفضل الحصول على مياه نظيفة حتى بتكلفة عالية من ألا يكون لنا مياه أبداً.
هنالك دول عديدة استثمرت في عمليات تحلية المياه بدءاً من السعودية إلى الإمارات فإسبانيا والولايات المتحدة ثم الصين مما يدل على أن المشكة عالمية وتصيب كل القارات. فالنمو السكاني يعني استهلاكاً أكبر للمياه، بالإضافة إلى التغير المناخي الذي يعني ضرورة التنبه إلى نوعيتها. هذان العاملان كفيلان بإحداث مشاكل أساسية في المياه من ناحيتي التلوث والتوافر بما يكفي للإنسان ولمختلف حاجاته. مشكلة المياه هي إذاً عالمية وحلها لا يمكن إلا أن يكون كذلك، بالإضافة إلى تنفيذ بعض السياسات المحلية والمناطقية التي تجعل توافرها يتم بشكل أسهل. تأتي الحلول عبر عاملي الطلب والعرض أي تخفيف الأول وزيادة الثاني وهنالك تجارب لا بد من التعلم منها. هل هذا ممكن اليوم وكيف؟
أولاً: في العرض، لا بد من تحسين استخراج المياه من الأرض والتقنيات متوافرة كما عبر بناء السدود. هنالك 48 ألف سد في العالم نصفهم في الصين مما يشير إلى جدية إدارة المياه فيها. السدود مكلفة لكن عائدها المالي والاجتماعي كبير. يتم توليد 20% من كهرباء العالم من السدود. هنالك أيضاً تحلية المياه والتكلفة المرتفعة معروفة، إلا أن تطور التكنولوجيا سيسمح بالقيام بهذا التحويل بتكلفة أقل مع الوقت. هنالك دول تخصخص إنتاج وتوزيع المياه مما يؤمن توافر المادة ربما أحياناً بأسعار أعلى. لا يمكن إنكار دور الخصخصة في مجتمعات يفشل فيها القطاع العام في تأمين السلع الأساسية منها المياه والكهرباء كما خدمة الاتصالات. قطاع مياه مخصخص تحت رقابة القطاع العام أفضل من لا مياه.
ثانياً: في الطلب هنالك هدر واضح في كل الدول ولا بد من العمل على القطاعات المستهلكة الأساسية. تشير الإحصائيات إلى أن القطاع الزراعي هو المستهلك الأساسي عبر الري تتبعه القطاعات الأخرى من إنتاج الكهرباء إلى الصناعة فالاستهلاك المنزلي وثم الاستهلاك الحيواني من مواشي ودواجن وغيرها. هنالك طرق علمية ترفع إنتاجية الزراعة بحيث يخف استهلاك المياه فيها دون التأثير في الإنتاج بل يمكن رفعه أحياناً. يتم العمل على تطوير تقنيات الري، كما على تأهيل الأرض عبر الأدوية والأسمدة بحيث يعطيان نتائج زراعية إضافية واضحة. التجارب الزراعية كبيرة ولا شك في نجاحها.
بالرغم من أن الزراعة هي المستهلك الأول للمياه إلا أن حصتها من الناتج العالمي قليلة جداً وهذا خلل واقعي وطبيعي والحل يكمن في رفع دور الزراعة في الإنتاج. لن تزدهر الزراعة من دون تحسين أوضاع الريف بحيث يبقى المواطن في أرضه. هذا يتطلب تغييراً في السياسات الاقتصادية في أكثرية الدول. لتخفيف الطلب، لا بد أيضاً من تعاون الأسر بحيث يستهلكون مياهاً أقل طبعاً عبر تعديل قواعد الغذاء في الكمية والنوعية والنظام، كما عبر استبدال الأجهزة المنزلية القديمة بالأخرى الجديدة المعتمدة على تقنيات متطورة توفر في الاستهلاك. أما التعريفات، فيمكن أن تؤثر في الكميات المستهلكة في المنازل والشركات شرط ألا تؤذي الأسر الفقيرة التي لا يمكنها تحمل التعريفات العالية. لا يمكن إهمال موضوعي التعليم والتربية المؤثران بشكل مباشر في حسن استعمال المياه وهذا ما يتم تأمينه في المدارس بحيث يصبح الطالب مواطناً منتجاً وصالحاً يعي إمكانيات المجتمع وقواعد الاستمرار في العيش المشترك النوعي والكريم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"