«نبع السلام» أم «نبع الدم»؟

03:49 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

عملية «نبع السلام» ليست إلا مقدمة لفيضان «نبع دم» جديد فوق الأراضي السورية، يكشف عن النوايا الحقيقية للسياسات التركية، والمعادية لمصالح السوريين، وعموم دول المنطقة.
اختار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اسماً فانتازياً للعملية التي شنّتها قواته، مؤخراً، على الأراضي السورية في شرق الفرات، حيث أطلق عليها اسم «نبع السلام»، وهو ما يتناقض بشكل مطلق مع طبيعة الأعمال الحربية، ومع الأهداف الحقيقية للعملية، والتي لا تمتّ للسلام بأي صلة، بل تؤسس فعلياً لاستمرار الحرب السورية، وزيادة مستوى التعقيد فيها، وترحيل أي مسعى للحل السياسي إلى أمد غير معروف.
في أوائل العام الماضي 2018، أطلق الرئيس أردوغان عملية «غصن الزيتون»، والتي أفضت إلى تهجير قسري للسكان المدنيين في عفرين، ونزوح أكثر من نصف السكان، البالغ عددهم أكثر من نصف مليون نسمة، ومكّن «قوات درع الفرات» من احتلال المدينة، وإسكان مهجّرين من الغوطة والقلمون في بيوت السكان الأصليين، وأغلبيتهم من الأكراد السوريين.
توقيت عملية «نبع السلام» يحمل دلالات عديدة، وهي تكشف فعلياً عن النوايا الحقيقية للرئيس التركي، ومن ورائه خط سياسي كامل، يرى في المسألة السورية فرصة لتوسيع هيمنة تركيا في المنطقة، وتصفية حسابات سياسية وتاريخية مع الأكراد، وأما بخصوص التوقيت، ففي الأسابيع القليلة الماضية، أعلنت الأمم المتحدة عن التوصل إلى تشكيلة اللجنة الدستورية التي ستقوم بكتابة دستور جديد لسوريا، وهو ما كانت قد توافقت عليه الدول الضامنة الثلاث، روسيا وتركيا وإيران، وقد ضغطت تركيا باتجاه استبعاد «قوات سوريا الديمقراطية»، لمصلحة «المجلس الوطني الكردي» القريب من سياسات أنقرة.
إطلاق العملية الجديدة من شأنه أن يجعل من عمل اللجنة الدستورية فارغاً من أي معنى، خصوصاً أنها استبعدت «قسد» الطرف الكردي الفاعل على الأرض، وهو ما يعني أنها أيضاً تتعامل مع حلفائها في «المجلس الوطني الكردي» كورقة للاستخدام باتجاهات عديدة، وبناءً عليه، فإن القيام بهذه العملية هو هروب من أي التزام مهما كان بسيطاً تجاه اللجنة الدستورية، خصوصاً أن الأرضية الأممية للقرار 2254 تقرّ بوحدة الأراضي السورية.
حاول الرئيس أردوغان في خطابه الذي ألقاه في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الرابعة والسبعين، أن يمهد لمعركته الأخيرة من خلال ورقة اللاجئين السوريين في تركيا، والذين يبلغ عددهم نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ، معتبراً أن إنشاء منطقة آمنة من شأنه أن يسهم في عودة اللاجئين إلى بلدهم، وهو الأمر ذاته الذي حاوله مؤخراً في تصريحاته الموجهة إلى الدول الأوروبية، التي سارعت إلى إدانة العملية العسكرية. وقد هدد الرئيس أردوغان أوروبا بإمكانية فتح الحدود مرّة أخرى أمام طوفان اللاجئين نحو أوربا، وهو ما قام به في عام 2015. يبدو واضحاً أن تركيا تقوم بممارسة ابتزاز سياسي لمختلف الأطراف، وتلعب بورقة اللاجئين، وتحويلها من ملف إنساني محض يحميه القانون الدولي، إلى ملف سياسي لخدمة أغراض الهيمنة وتوسيع النفوذ، فهي خلال العام الجاري اتخذت عدداً من القرارات بشأن اللاجئين في أراضيها، حوّلتهم من خلالها إلى مسجونين، حيث منعتهم من الانتقال خارج المدن التي حصلوا فيها على اللجوء، كما قامت بترحيل آلاف المدنيين إلى إدلب، حيث تسيطر «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة) المصنفة على لوائح الإرهاب، وهو ما يعني تعريض حياة المرحّلين للخطر، أو وضعهم تحت تصرف «هيئة تحرير الشام»، ليكونوا في قبضتها.
كما عاد الرئيس التركي ليعزف على وتر محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي، والذي حاربته «قوات سوريا الديمقراطية» على مدار أكثر من ثلاث سنوات، ومن الواضح أن تركيا تريد إعادة تفعيل ملف أسرى «داعش»، أملاً بحصول خلل أمني، من شأنه أن يساعدهم في الهروب، وربما لاستخدامهم في قتال قوات «قسد»، وهو أمر غير مستبعد كلياً، فتركيا فتحت أبوابها خلال السنوات الأولى من الصراع السوري أمام تدفق الإرهابيين من أنحاء العالم كافة، كما أسّست ما يسمى «الجيش الوطني السوري»، وهو تابع في تسليحه وأوامره للقيادة العسكرية لتركيا، والغرض من إنشائه هو قتال «قسد»، بدلاً من استخدام جنودها في المعركة.
يطمح الرئيس التركي إلى بلورة ما يسميه «منطقة آمنة»، أملاً بالحصول على تمويلات من الدول الأوروبية وغيرها للبدء بإعادة الإعمار، وتشغيل شركات المقاولات التركية، وتحسين الأوضاع الاقتصادية المتردية لبلاده، وتغيير التركيبة الديموغرافية لمنطقة شرق الفرات.
عملية «نبع السلام» ليست إلا مقدمة لفيضان «نبع دم» جديد فوق الأراضي السورية، يكشف عن النوايا الحقيقية للسياسات التركية، والمعادية لمصالح السوريين، وعموم دول المنطقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"