أجواء قاتمة.. ولكن

04:20 صباحا
قراءة 4 دقائق

محمود الريماوي
لا يبدي أحد من صانعي القرارات ومن جملة السياسيين في عالمنا ومنطقتنا، تفاؤلاً يذكر في مسار الأحداث والتطورات المرتقبة خلال العام الجديد 2016. لم يسبق أن خيّم التشاؤم بمثل هذه الصورة. والمخاوف هنا لا تتعلق باحتمال الاندفاع إلى حرب كونية جديدة، أو الانزلاق إلى استعمال أسلحة غير تقليدية (نووية)، فالمخاوف تتعلق بانفلات موجة الإرهاب واتساعها، مع الصعوبة في ضبط حلقات صغيرة لأفراد لا سوابق إرهابية لهم، وكذلك تزايد موجات اللجوء من منطقتنا وبالذات من سوريا والعراق ، وتشمل أيضاً سودانيين ويمنيين وليبيين، وتحولها إلى ما يشبه الهجرات الجماعية ودونما بذل ضغوط كافية لوقف الظروف الشاذة والطاردة لهؤلاء البؤساء من ديارهم ومن بيوتهم.

والمخاوف تتزايد من مواجهة روسية - إيرانية مع تركيا نتيجة الخلافات الواسعة حول ملفات المنطقة. على أن فرص هذه المواجهة المباشرة تبقى غير كبيرة رغم التوتر العالي.
الأحوال المضطربة هذه والتي تزداد اضطراباً وسوءاً منذ نحو خمس سنوات، تنعكس على بلدان المنطقة في انخفاض حركة التجارة وتراجع مستوى السياحة وجمود الاستثمار وزيادة الهاجس الأمني، وهو ما ينشر أجواء قاتمة وتوقعات غير متفائلة وبخاصة مع الصعوبة المتزايدة أمام تحقيق رغبات الأفراد بالهجرة التماساً للرزق ومع انخفاض أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، وانعكاس ذلك على الدول المنتجة وعلى برامجها التشغيلية المستقبلية وعلى دعم مشاريع دول نامية.
تشير تقديرات المنتدى الاستراتيجي العربي إلى أن سوريا والعراق وليبيا وأوكرانيا وبحري الصين الجنوبي والشمالي سوف تبقى مناطق صراع رئيسية في العام 2016. ومن الملاحظ أن اليمن يخرج من دائرة التوقعات هذه، مع بقاء ليبيا، في الوقت الذي تم فيه التوصل إلى اتفاقيات مهمة بين فرقاء النزاع الليبيين انعكس على هدوء نسبي في هذا البلد مقارنة بما كان عليه الحال على مدى السنوات الثلاث الماضية، بينما لم يتم التوصل إلى أي تقدم في المفاوضات بين الحكومة اليمنية والانقلابيين، وما زال الصراع مستعراً وإن كان ميزان القوى أصبح أكثر رجحاناّ لمصلحة الحكومة اليمنية وقوى المقاومة في هذا البلد.
أما في العراق فإن الآمال تزداد بإلحاق هزيمة بتنظيم «داعش» الإرهابي بعد النتائج الجيدة التي تم تحقيقها في الرمادي غربي البلاد. غير أن هذا الأمر مرهون بردم الفجوات بين المكونات الاجتماعية والسياسية، من أجل تحشيد وطني عام تتجه فيه جميع البنادق إلى «داعش».
تقديرات المنتدى تضرب صفحاً عن التوترات التي لم تتوقف على أرض السودان في غربي البلاد ومع جنوبها. ويبدو أن ضعف الانعكاسات أو الارتدادات لهذه التوترات خارج السودان، قد جعل الاهتمام يتراجع بما يحدث في هذا البلد وخاصة في إقليم دارفور. وسوى ذلك فإن تقديرات المنتدى لم تشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث ارتفعت موجة القمع الدموي وإطلاق النار بقصد القتل في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام المنصرم (121 شهيداً، و13 ألف جريح). وليس هناك ما ينبئ بانخفاض موجة العنف في ظل جموح الاحتلال باستباحة المسجد الأقصى في القدس، والحرم الإبراهيمي في الخليل، مع تكريس الغزو الاستيطاني كسياسة رسمية لحكومة الاحتلال.
أجل الأجواء قاتمة والتقديرات غير متفائلة للأسف. ولنا أن نلاحظ أنه بينما يبهت دور الجامعة العربية ويتراجع كبيت سياسي قومي، فإن الأغلبية العظمى من الدول العربية باتت تنخرط في التحالف الدولي ضد «داعش»، وفي التحالف العربي ضد انقلابيي اليمن، وكذلك ضمن التحالف الإسلامي الذي تم الإعلان عنه في الرياض قبل نحو ثلاثة أسابيع. هذا يدلل على أن الهاجس الأمني في الإقليم هو ما أصبح يجمع أغلبية الدول العربية في هذه المرحلة، وأن عدداً كبيراً من الدول باتت تنخرط في مهام قتالية خارج الحدود، في وقت تتواجد فيه قوات أجنبية (إيرانية) في سوريا والعراق، بينما سماء المنطقة يزدحم بمقاتلات الدول الكبرى: أمريكا، فرنسا، روسيا، بريطانيا وسواها من دول المنطقة والعالم.
هذا في وقت سوف تتمسك فيه الإدارة الأمريكية بسياسة عدم الانغماس المباشر في صراعات المنطقة (باستثناء الانحياز للاحتلال الصهيوني..)، وهي السياسة التي دأب عليها الرئيس أوباما منذ توليه حكم بلاده قبل سبع سنوات، وسوف يتمسك بها أكثر في سنة حكمه الأخيرة. وقد كان من شأن هذه السياسة انتعاش القوى الأكثر ميلاً إلى السطوة والعنف في منطقتنا، وتراجع فرص الحلول السياسية، مع بقاء «داعش» في مركز قوة في سوريا وليبيا، رغم ادعاء الجميع أنهم يحاربون هذا التنظيم الإرهابي.
الأجواء قاتمة لكن المؤشرات تفيد إلى تحسن مطّرد في ليبيا، وإلى هزيمة للانقلابيين في اليمن تحملهم هم وحلفاءهم في الداخل على التسليم بعودة الأمور إلى نصابها في بحر هذا العام، فإذا ما سارت الأمور على هذا النحو المتوقع، ومعه زيادة التوحد (على أسس من العدالة والمساواة بين العراقيين) ضد «داعش»، فإن ذلك سيكون له انعكاسات على الوضع السوري، باتجاه الاقتراب من استحقاق حل سياسي جدّي وفق المرجعية الدولية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"