أسعار النفط واجتماع الجزائر

02:20 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أيمن علي

قبل أسابيع، وحين أعلن عن موعد اجتماع الجزائر، بدأت أسواق الطاقة تتفاءل بإمكانية اتفاق المنتجين على آلية ما لضبط السوق وأخذت الأسعار في الارتفاع.
رغم التصريحات المتتالية في الأيام الأخيرة لوزراء نفط الدول المنتجة والمصدرة بشأن احتمال الاتفاق بين المنتجين من دول أوبك ومن خارج أوبك على تجميد سقف الانتاج الحالي في الاجتماع المرتقب في الأسبوع الأخير من سبتمبر/أيلول لا يبدو أن السوق متفائلة بإمكانية ارتفاع أسعار الخام لتتجاوز حاجز 50 دولاراً للبرميل كثيرا. ويذكرنا ذلك بما حدث لاجتماع مماثل للمنتجين من أوبك وخارجها في العاصمة القطرية الدوحة منتصف إبريل الماضي حين كانت الأسواق شبه واثقة من اتفاق المشاركين على تجميد سقف الانتاج وقتها للحد من فائض المعروض في السوق. وانتهى اجتماع الدوحة بالفشل في التوصل لأي اتفاق وألقي باللائمة على إيران التي كانت خرجت من طوق عقوبات دولية بعد اتفاقها النووي مع القوى الرئيسية في العالم وتريد زيادة انتاجها النفطي بلا سقف.
قبل أسابيع، وحين أعلن عن موعد اجتماع الجزائر، بدأت أسواق الطاقة تتفاءل بإمكانية اتفاق المنتجين على آلية ما لضبط السوق وأخذت الأسعار في الارتفاع من تحت مستوى 40 دولاراً للبرميل إلى مستوى الخمسين دولارا. وساهمت بعض عوامل أساسيات السوق في الحفاظ على دفع الأسعار إلى أعلى من قبيل زيادة مؤقتة في السحب من المخزونات التجارية لم تقابلها زياد كبيرة في الانتاج والتصدير. صحيح أن منتجين كبارا مثل السعودية مثلا زادت انتاجها قليلا، لكن الزيادة كانت لتلبية الطلب المحلي في فصل صيف اتسم بحرارة شديدة. تلك التغيرات الطفيفة في ميزان العرض والطلب لم تدم كثيرا، وعادت الأسواق للتشكك في نتائج اجتماع الجزائر المرتقب، رغم استمرار التصريحات الإيجابية من جانب وزراء نفط دول رئيسية في أوبك.
وعادت التحليلات والتعليقات تشير إلى اتفاق الدوحة وامكانية ألا يسفر اجتماع الجزائر عن إجراء ملموس بشأن ضبط السوق، فعادت الأسعار للتراجع لتحوم حول مستوى 45 دولارا للبرميل متأثرة بأساسيات السوق ومتجاهلة العامل النفسي الإيجابي لاجتماع الجزائر. ذلك على الرغم من الفارق الهام بين ابريل/نيسان والآن، خاصة فيما يتعلق بإنتاج وصادرات إيران. ففي ذلك الوقت كانت إيران تملأ الدنيا بتصريحات وزير نفطها ومسؤوليها بأنها ستعمل على زيادة انتاجها حتى 4 ملايين برميل يوميا، متفائلة برفع العقوبات واستعدادها لبيع النفط بأسعار أرخص من الآخرين. لكن مشاكل بعض العقوبات ما زالت تعيق تعاملات إيران المالية مع العالم. إنما الأهم أن قطاع الطاقة الإيراني الذي تدهورت حالته في سنوات الحصار والعقوبات يحتاج إلى «عمرة» هائلة بكلفة عشرات مليارات الدولارات تتردد شركات النفط الكبرى في استثمارها في بلد ما زال يخضع لبرامج عقوبات أمريكية وغيرها وهناك اتهامات له برعاية الإرهاب خاصة شركات الحرس الثوري الإيراني التي تحظى بنصيب الأسد في أعمال قطاع الطاقة.
وهكذا لم تتمكن إيران من زيادة انتاجها إلا قليلا، ليصل حده الأقصى عند نحو مليونين ونصف المليون برميل (2.6 مليون برميل يومياً). صحيح أن ذلك أضاف لفائض المعروض في السوق، لكن ليس كثيرا إذ يظل الفارق بين العرض والطلب بحدود مليوني برميل يوميا وإن زاد قليلا. وذلك تحديدا ما يحافظ على الأسعار منذ مطلع العام في نطاق 40 دولاراً للبرميل. لكن إيران هذه المرة، وإن صدرت عنها تصريحات أولية تشير إلى استعدادها للمشاركة في اتفاق ينتج عن اجتماع الجزائر، لم تعد عاملاً مهماً في حد ذاتها بالنسبة لتوقعات السوق. إنما يتابع السوق عن كثب وضع إنتاج وصادرات العراق التي أخذت في الزيادة بوتيرة سريعة خاصة مع توقف قدرة طهران على زيادة انتاجها. وتبدو إيران وكأنها تتعامل مع السوق العالمي باعتبارها «هي والعراق واحد» في مسألة السياسة النفطية.
صحيح أن العراق يعاني أزمة اقتصادية ومالية عميقة تجعله يحاول تعظيم العائد من صادرات النفط الذي تعتمد عليه ميزانيته بأكثر من 90 في المئة، كما تتعرض الحكومة لضغط من ميليشيات الحشد العشبي التي تطالب بنحو 7 مليارات دولار خارج الميزانية العامة بتمويل نشاطها. وصحيح أيضاً أن العراق منذ غزوه واحتلاله في 2003 وهو خارج أي اتفاق لأوبك فيما يتعلق بسقف الإنتاج، لكن أسباب ذلك زالت الآن ولم يتبق إلا ما تبدو من تبعية القرار النفطي العراقي لطهران تقريبا. كان العراق قد وصل بإنتاجه إلى معدل 4.5 مليون برميل يومياً أو أكثر قليلاً قبل أن يوقف الأكراد تصدير نفط كركوك عبر خط الأنابيب المار بإقليمهم إلى ميناء جيهان التركي ما خفض إنتاج العراق بنحو 200 ألف برميل يومياً. لكن بغداد تهدد بتصدير نفط كركوك عبر إيران في سعيها للحفاظ على إنتاجها وصادراتها عند الحد الأقصى. لذا، فحتى إذا شاركت إيران باجتماع الجزائر وانضمت لأي اتفاق محتمل بتجميد الإنتاج فيمكنها ضرب أي توازن في السوق بدفع العراق للاستمرار في زيادة الإنتاج هذا إذا كانت طاقة الإنتاج الفائضة لديه تسمح.
يبقى العامل الأهم الذي ربما يحافظ على أسعار النفط في نطاقها الحالي هو توقف إنتاج ليبيا تقريباً منذ فترة وتراجع إنتاج نيجيريا بنحو مليون برميل يومياً. فالوضع في ليبيا لا يبشر باحتمال عودة الإنتاج، الذي لا يزيد حاليا عن بضع مئات آلاف البراميل يومياً، بعدما كان في ظل الحصار والعقوبات يتجاوز المليون ونصف المليون برميل يومياً. كما أن الصراعات بين الميليشيات المتعددة والجيش الوطني لا تشير إلى أي إمكانية للتصدير، حتى في حال زيادة الإنتاج ببضع عشرات أو حتى مئات آلاف البراميل يومياً. أما في نيجيريا فإن حركة التمرد في منطقة دلتا النيجري، التي يوجد بها نفط البلاد، فتهدد بالانفصال مطلع أكتوبر/تشرين الأول ومستمرة في تعطيل الإنتاج الذي تراجع من أكثر من مليونين ونصف المليون برميل إلى نحو مليون ونصف المليون برميل يومياً حالياً. ويكاد الفاقد من نفط ليبيا ونيجيريا يوازن الفائض من المعروض في السوق، ما يضمن توازنا هشا في حال استقرار الطلب دون تغيرات كبيرة وبغض النظر عن نجاح اجتماع الجزائر أو فشله.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"