أفكار رواد الأعمال

00:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي

من المفيد بداية أن نبدأ بأن ننحي جانباً فكرة أن التجديد يعني شيئاً جديداً تماماً، فالمنتجات والخدمات المبتكرة جديدة بالطبع ولكنها لم تكن لتوجد دون أن تسبقها مكونات وأفكار أخرى. فكما قال العالم الشهير إسحاق نيوتن «لو أني أرى أبعد من الآخرين، فما ذاك إلا لأني وقفت على أكتاف عمالقة». الأمر نفسه ينطبق على رواد الأعمال المبتكرين أو أي مخترع من تلك الزاوية: القفزات التكنولوجية تحدث فقط عندما يتم جمع الأفكار والمنتجات ذات الصلة - والموجودة بالسوق بالفعل - معاً بأساليب جديدة. فرواد الأعمال المبتكرون الناجحون هم أولئك الذين وضعوا أيديهم على الفرص التجارية التي توفرها عمليات إعادة الدمج هذه ثم حولوها واقعاً. ونستطيع القول باطمئنان إن كل منتج تقريباً يتم بيعه يحمل عناصر تطورات في السابق، ولكن تم دمجها الآن على نحو جديد لتخرج شيئاً جديداً.
ما علاقة السياسة الحكومية بكل ذلك؟ على الرغم من أن المخترعين سيسعون لإنجاز اختراعاتهم لمجرد أنهم يجيدون ذلك ويحبونه، لكن كما هي الحال مع أي نشاط آخر، سوف يغدون أكثر ابتكاراً لو تم تشجيعهم ومكافأتهم. لقد وعى ملوك أوروبا ذلك منذ فترة مبكرة- منذ أوائل القرن الرابع عشر- فمنحوا المبتكرين حقوقاً مؤقتة لم تكن لغيرهم أو ما نسميه اليوم«مكاسب الاحتكار» على اختراعاتهم. ولقد ترسخ هذا المفهوم في إنجلترا لقرون عدة لاحقة، كما أدرجه الآباء المؤسسون لأمريكا في دستور الولايات المتحدة الأمريكية وقد قنن الكونجرس الضمانة الدستورية بنصه على حماية الاختراع لمدة سبعة عشر عاماً، ثم تمت زيادتها إلى عشرين عاماً بعد ذلك، على أن تحتسب المدة من تاريخ منح مكتب براءات الاختراع لبراءة الاختراع (بعد التأكد من أنه يمثل تقدماً عن الفن السابق ). منذ ذلك الحين أدخلت دول أخرى صيغتها الخاصة من حماية الاختراعات. ولكن حتى مع منح أصحاب الاختراع مكاسب احتكارية مؤقتة في ظل تسجيل البراءات، فإن نصيب الأسد من فوائد الاختراع يفيض على بقية المجتمع وهو أمر طيب طالما تم تعويض أصحاب الاختراع بشكل مناسب، حيث إن المجتمعات تتعاظم استفادتها من المبتكرات الجديدة عندما تنتشر سريعاً. فعلى سبيل المثال أشارت دراسة مهمة أجريت على مئة مؤسسة أمريكية إلى أن «المعلومات المتعلقة بقرارات التطوير تظل في أيدي المتنافسين ما بين 12 و18 شهراً في المتوسط، بينما تتسرب المعلومات المتعلقة بالطبعة التفصيلية وكيفية عمل منتج جديد أو عملية جديدة خلال سنة في العادة». وقد قدر أحد الباحثين ما يحصل عليه المخترعون من إجمالي المكاسب الاجتماعية لمخترعاتهم بما لا يتعدى نسبة 3%.
وتستطيع الحكومات أن تلعب دوراً مهماً آخر ولكنه دور غير مباشر يتمثل في تحفيز الأفكار التي سيقوم رواد الأعمال فيما بعد بتسويقها. وهذا الدور هو: تمويل البحوث العلمية الأساسية. فعلى الرغم من أن فهم الأساسيات العلمية نادراً ما يجد سبيله سريعاً إلى السوق، فإنه يوفر أحجار البناء للبحوث التطبيقية التالية التي تفضي بدورها إلى منتجات تجارية. فأشباه المواصلات - على سبيل المثال - لم تكن لتظهر دون وجود معرفة أساسية في مجالات الذرة، وبنية الجزيء وما إلى ذلك. وبالمثل لم يكن لمكونات الإنترنت أن تظهر للوجود إلا بفهم أساسي لكيفية انتقال الضوء والمعلومات عبر كابلات الألياف الضوئية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"