ألف لا لحروب العالم الإسلامي

04:23 صباحا
قراءة 4 دقائق
الحديث عن حرب يخوضها مسلمون ضد أشقائهم من أتباع الدين الواحد وعلى أرض إسلامية، ليس للأسف الشديد حديث خرافة، بل هذا ما تنطق به الوقائع في العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان والصومال، وأحياناً في بلدان أخرى مثل لبنان ومصر . ويكاد المسلمون أن يكونوا أتباع الدين التوحيدي الوحيد الذين يخوضون في دماء بعضهم بعضاً . ومنطقتنا في المشرق العربي بالتحديد تكاد تكون المنطقة الوحيدة في العالم التي تشتعل فيها صراعات دموية يختلط فيها الدين بالسياسة . ذلك هو الواقع المُر والمؤسف، غير القابل للتمويه عليه، والذي لا يُمكن إنكاره . فيما العدو القومي والتاريخي يصول ويجول في الضفة الغربية المحتلة وينكل بالشعب الرازح تحت الاحتلال الصهيوني بحجة اختطاف ثلاثة مستوطنين فيما هذا العدو يختطف آلاف الأسرى، ويختطف أرض فلسطين بأسرها .
في الأيام القليلة الماضية نشرت تصريحات منسوبة إلى المرجع / المرشد الإيراني علي خامئني يحذر فيها من حرب في العالم الإسلامي يتسبب بها ويؤججها التكفيريون . في واقع الأمر تدور بعض المعارك الفعلية وواسعة النطاق والتي يضار منها المدنيون بالدرجة الأولى، ولأسباب متعددة بعضها وليس كلها يعود إلى تأجيج التكفيريين للأحقاد والشكوك . لقد امتدت النيران من سوريا إلى لبنان، ومن سوريا إلى العراق، ولإيران كما لدول وأنظمة أخرى دور في كل ما يجري، ولإيران كما لبقية الدول المعنية دور مأمول في إطفاء النيران السورية بالذات، لكن ذلك لم يحدث . . دور الإطفائي كما هو بادٍ لا يغري أحداً إلا على نطاق ضيق ومؤقت .
النيران العراقية أو المشتعلة في العراق، تتغذى من الحرب في الجوار السوري كما من بيئة طائفية "راسخة" في بلاد الرافدين، ومن فساد سياسي ومالي ومن تجارة سلاح مشرعة الأبواب، وإذا كانت هناك من دولة في الإقليم لا تخفي دورها في العراق، فهي الجمهورية الإسلامية الإيرانية . إن من واجب كل العراقيين حماية المراقد وكل الأماكن ودور العبادة للمسلمين وغير المسلمين . إنها مهمة العراقيين والدولة العراقية، وليست مهمة أي طرف خارجي . لكن الدولة في بغداد وللأسف الشديد لم تبتعد عن التجاذب الطائفي . وباتت كأنها جزء من المشكلة لا من الحل، ولهذا تنادت أغلبية دول العالم في الأسبوعين الماضيين للدعوة إلى استقالة نوري المالكي وتشكيل حكومة انقاذ وطني تقوم على شراكة وطنية . علماً بأن الوضع في العراق لم يكن قبل غزوة داعش برداً وسلاماً . فالانفلات الأمني قائم على قدم وساق . والعجز عن مواجهته لا يعود لأسباب تقنية ولوجستية فقط، بل لأسباب سياسية تتمثل في غياب عقد وطني يجمع العراقيين .
الحرب في العالم الإسلامي يجب أن تنطفئ، والأكثر قوة والأشد حضوراً والأبعد نظراً هو من يسهم في إطفائها . هذا هو التحدي النبيل الذي يواجه كل أصحاب النوايا الطيبة، وكل من يتطلع إلى الأمن والاستقرار، والى تحقيق العدالة في محتلف البلدان كما في العلاقات بين دول المنطقة .
العجز وغياب الإرادة السياسية والمطامح الضيقة والأنانية السياسية هي التي أدامت الحرب السورية، وإطفاء النيران في العالم الإسلامي يبدأ من الشام . فالحريق الكبير يشتعل هناك . أما الصراعات الدموية والطائفية والجهوية في العراق فهي سابقة على الانفجار السوري وإن باتت تتغذى منه .
وإذا كان التكفيريون يشكلون خطراً داهماً حيث تنشط مواجهتهم هنا وهناك، وحيث تلتقي الإرادة الدولية مع المصالح الإقليمية في التصدي لهؤلاء .، فإن واقع الحال ينطق بأن هناك عدداً كبيراً من الميليشيات التي تنحو بدورها منحى طائفياً مُدمّراً، وتلقى هذه الميليشيات الجرّارة دعماً وفيراً من هنا وهناك، والوضع الحالي في العراق ينطق بالشواهد على ما نذهب إليه، ما يصعب معه القول إن المخاطر تكمن في التكفيريين وحدهم . وكذلك هو الأمر في سوريا . وها هما البلدان الشقيقان الجاران اللذان طالما تطلع الشعب فيها إلى الوحدة بينهما، ها هما هذان البلدان يتوحدان في الكارثة التي تحيق بهما .
وفي جميع الأحوال فإن شعوب العالم الإسلامي تتطلع إلى احترام التعدد والتنوع في إطار المعتقد الديني، وإذا كنا ننتظر من الآخرين في الغرب أو سواه أن ينظر لنا نظرة انصاف واحترام وإقرار بالحق في المشاركة، فما أجدر بنا أن نبادر نحن فيما بيننا، إلى إنصاف بعضنا بعضاً على جميع الأوجه والمستويات، في العلاقة بين مكونات الشعب الواحد كما بين الشعوب والدول كبيرها وصغيرها، علماً بأن القانون الدولي لا يصنف الدول بين كبيرة وصغيرة، كما هو الحال في تصنيف الشركات .
وليس لنا بعدئذ أن نكيل الاتهامات لأطراف خارجية بإشعال النيران في البيت الإسلامي الكبير، فواقع الحال ينطق بأن المسلمين أنفسهم هم من يشعلون النيران في بيوت المسلمين، وأنهم يستقوون على بعضهم بعضاً، وأن البعض يجد مصلحة ما في المغالبة والسعي إلى السطوة، وأن ما يتعرض له المسلمون في هذه الآونة يكاد يفوق ما تعرضوا له في حقبة الاستعمار والاحتلال الأجنبي لبلدانهم . فلترتفع الأصوات لوقف هذه الحرب المتعددة الأشكال والجبهات، وليكن الرهان والتحدي في العمل على وقفها وإزالة أسبابها، وعدم توفير أي بيئة لاستمرارها واتساعها .

محمود الريماوي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"