أمثولة زايد

ذاكرة المستقبل
04:29 صباحا
قراءة دقيقتين
السِّلْمُ ضَرْب مِنَ ضُروب الفَتح

(شكسبير)

كثيرون يموتون، فيذهبون مع النسيان، أباطرة وغزاة وشعراء وتجار، حتى وإنْ كتبت من أجلهم المدائح، وأقيمت لإحيائهم مِنَصَّات الفن.

ها هي أيامنا القريبة، ثم البعيدة، فانظر إلى صفحاتها، وتخيّر منها ما تشاء، ثم ضعْ سَبابتك على اسم إنسان، كان في موته كما في حياته معجزة.

ستجد القليل القليل بين تلك الصفحات التي لا تُعدّ، من كان في حياته معجزة، كما كان في موته معجزة. ليس لأنه فقط حاضر، حياً وميتاً، بل لأنه حاضر في صالح الأعمال، والخيِّر من السلوك، والخيْر من السجايا.

فكرة الموت معجزة، فكرة جواهرية، أي من بنات أفكار شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري. ولنتذكر أن الجواهري زار أبوظبي، قبيل أن ينتهي عقد السبعينات من القرن الماضي، وأنشد في حفل أقامته وزارة الاعلام والثقافة في حينه، إحدى قصائده التي امتدح فيها زايد وآل نهيان.

ارجعوا إلى تلك القصيدة، وهي موجودة في أرشيف الوزارة، وسترون صدقية فكرة الجواهري حول أن الموت معجزة.

وتلك لعمرك محطة ينبغي أن يتوقف عندها كل من عنده لب، ويتمعن فيها من يرى الأشياء التي ما بعد، ما بعد الأفق، ويعتبر بدروس الأيام والليالي وعبرها، ويرفع من تعريف الحاكم بالمعنى الشرقي المستبد، إلى منزلة الحاكم بالتعريف الإلهي.

حقاً، ما أجمل الفكرة، وما أروع معناها، وما أصعب الوصول إلى تخومها.

وفي تصريح نادر لحكيم العرب الراحل، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب المولى القدير ثراه، أطلقه في أثناء قيام الدولة الاتحادية المباركة، قال فيه إن هناك من يتهمه بأنه وحدوي.

وفي المستوى المحسوس والملموس، بعد فشل تجربة الوحدة المصرية السورية، حيث كان عبد الناصر والقوتلي، فإن الناس أصابها ضيم كبير، وضربها زلزال مزلزل. أفبعد فشل تجربة يقودها عبدالناصر في ميدان العمل الوحدوي، يطلع على العرب رجل من قلب الصحراء العربية، ليقول: يتهمني البعض بأنني وحدوي؟

لقد كان ذلك الموقف، مغامرة ما بعدها مغامرة، وجراءة ما بعدها جراءة، بحيث لا يُقدم عليها إلا صاحب همة لا تعرف اليأس، وقلب أشد صلابة من الحديد، وعقل يذكر بعقول القوم من أصحاب الريادات في التاريخ الخاص للبشرية على هذا الكوكب.

وهذا الكلام ليس إلا وصف الحالة. والله هو العالم بتلك التوفيقات والألطاف التي كانت تدفع بالشيخ الراحل إلى حيث ينبغي للعربي أن يقف.

الوحدة العربية، حداثة مستمرة.

وإن جرى التأكيد على دور زايد في هذا الإيجاز، فلأن للموت جلالاً وجلالة، ولأنه صار معجزة وليس حدثاناً. كما أن الحديث في زايد يتضمن الحديث في الذين يسيرون على خطاه من الأحياء.

www.juma-allami.com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"