أمريكا المتبرعة بتوحيد أعدائها

02:32 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

يتفق الخبراء الأمريكيون على أن التقارب الروسي الصيني المتزايد لا يخدم مصالح بلادهم، إلا أنهم ينقسمون في تقديرهم لحجم التهديد الذي يمثله ومدى خطورته. يتبنى فريق منهم رؤية زبجينيو بريجينسكي أشهر مستشاري الأمن القومي الأمريكي والمتوفى عام 2017، وخلاصتها أنه لا يوجد شيء أخطر على المصالح الأمريكية من إقامة تحالف أو شراكة استراتيجية بين الصين وروسيا. وبالطبع فإن مظاهر وتجليات هذه الشراكة بادية للعيان، وقد أشرنا إليها بشيء من التفصيل الأسبوع الماضي.
الفريق الآخر يرى أن هناك مبالغة كبيرة في الحديث عن خطورة التقارب الروسي الصيني. أما الحديث عن تحالف بينهما فهو غير منطقي لأسباب سياسية وتاريخية واقتصادية عديدة. ويوضح ليون أرون الباحث في «مركز أمريكان إنتربرايز» في واشنطن أن العلاقات الدافئة بين بكين وموسكو لن تنسيهما آلام الماضي ومأساة الحرب الحدودية عام 1969، ولن تبدد ذكريات الشقاق الأيديولوجي الشهير بين القيادتين الشيوعيتين منذ الخمسينات.
وفضلاً عن العداء التاريخي الذي يمكن التجاوز عنه، فإن كل دولة منهما تلعب دوراً مختلفاً في الاقتصاد العالمي، بما يجعل الاختلاف بينهما في الأهداف عميقاً ولا يمكن تجاوزه.
يرى الباحث أن الخلل الكامن في هيكل التبادل التجاري بين الدولتين يشي بنتيجة مختلفة عن الصورة الوردية التي ينخدع بها الجمهور. وعلى الرغم من أن حجم التبادل بينهما يتجاوز 100 مليار دولار، ورغم أن الصين هي الشريك التجاري الثاني لروسيا بعد الاتحاد الأوروبي وأكبر شريك فردي لها، فإن السوق الروسية بالنسبة للصين سوق من الدرجة الثانية. ذلك أن روسيا تأتي في المركز العاشر للصادرات الصينية، ولا تحتل أيّاً من المراكز العشرة الأولى بالنسبة لواردات الصين.
نفس البعد الاقتصادي توقفت أمامه مؤسسة «راند» البحثية الأمريكية التي تتبنى أيضاً الرأي القائل باستحالة قيام تحالف استراتيجي بين البلدين حتى لو كان هناك تقارب متصاعد بينهما.
يوضح تقرير للمؤسسة أن الفجوة الاقتصادية بين البلدين كبيرة، بل تزداد اتساعاً. والدليل على ذلك يستحضره التقرير من بيانات للبنك الدولي تشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للصين عام 1992 كان أقل بنسبة بسيطة من مثيله الروسي (427 مليار دولار مقابل 460 ملياراً)، إلا أنه تضاعف نحو ثماني مرات مبتعداً عن الرقم الروسي بعد ربع قرن، وتحديداً عام 2017 (12,2تريليون مقابل 1,6 تريليون). وحالياً فإن معدل النمو الاقتصادي للصين أربعة أضعاف المعدل الروسي.
الجانب السياسي مهم أيضاً. وكما يقول تقرير «راند»، فإن أحد أهم العوامل المحفزة للتقارب هو إحساس البلدين بأنهما مستهدفان من الولايات المتحدة أكثر من رؤيتهما المشتركة للعالم. يشرح التقرير هذه النقطة المهمة بقوله إن الخطأ الاستراتيجي الفادح الذي ترتكبه أمريكا هو أنها تتعامل مع الخطرين الروسي والصيني باعتبارهما شيئاً واحداً أو متشابهاً، ولا تلتفت للفروق الجوهرية والخلافات والاختلافات بين المتنافسين.
أكبر وأهم خلاف هو أنه بينما تنتقد الدولتان النظام العالمي القائم، فإن موسكو تريد تفكيكه حتى ولو لم تطرح بديلاً. في حين أن الصين وهي أكبر المستفيدين من هذا النظام لا تريد أكثر من مجرد تعديله لعلاج ما تراه ظلماً لها.
تلفت «راند» نظر صانعي السياسة الأمريكيين إلى سبب آخر يدعو لعدم وضع المسألتين الروسية والصينية في سلة واحدة، وهو أن روسيا تسعى لتحقيق مصالحها، وتمديد نفوذها بطرق عدوانية، بما فيها استخدام القوة كما فعلت في أوكرانيا وسوريا وجورجيا. أو بوسائل سياسية وتكنولوجية من خلال التدخل في الانتخابات الأجنبية. وبالطبع فإن الصين ليست ملاكاً فيما يتعلق بسياستها الخارجية، ولكنها تحقق مصالحها وتوسع نفوذها عبر التجارة والمساعدات التنموية.
ويبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية غير قادرة بعد على استيعاب ومن ثم استثمار هذه الاختلافات الجوهرية بين النظامين الروسي والصيني، ولذلك فإن ما تفعله في الواقع ليس إلا عملية غير مقصودة لتوحيد خصمين فرقت بينهما الشكوك والخلافات، ووحّدهما سوء الفهم والعقوبات الأمريكية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"