أين القيمة المضافة في موازنة هذه الأرقام؟

04:46 صباحا
قراءة 3 دقائق

تنشر بعض النشرات المتخصصة بين آونة وأخرى، بيانات عن مقدار ما يملكه زيد أو عمرو من الناس من الثروة ومن المال، ولا أعرف إن كان ذلك جائزاً في العرف الإعلامي، مع ما في ذلك من مساس بأمور شخصية، قد لا يجوز التعرض إليها .

ولكن السؤال هو، هل هذه الأرقام التي عادة لا تقل عن الالف مليون دولار، أو ما يقارب أربعة آلاف مليون من دراهم الإمارات فما فوق، والتي ينسب امتلاكها إلى اشخاص معينين، هي أرقام دقيقة، وكيف عرف المقيّمون دقتها؟ لا أعتقد أننا سنحصل على جواب مقنع عن هذا السؤال . . .

والحقيقة أن الذي يهمني هنا، أو يهم كل الناس في الإمارات، أن هناك أغنياء إماراتيين تشملهم بيانات هذا الثراء، وبأن هؤلاء الإماراتيين الأثرياء يتربعون على عروش بين أغنى أغنياء الدنيا والحقيقة أيضاً، ان هذا الشيء مفرح، فوجود الغِنى أفضل من وجود الفقر، والبلد الغني خير من البلد الفقير، لأن الفقر بؤس وشقاء ويؤدي الى تخلف الشعوب والمجتمعات، ومتى ما عشش الفقر في مجتمع ما، فإن الآفات الأخرى كالجهل والأمراض تأتي متوالية، وبالتالي تأتي الصراعات والضغائن والصدامات المؤدية الى المهالك وسوء المصير .

وليس من السهل أن تصبح غالبية الناس ثرية، في أي مجتمع، مهما بذلت الدول من جهد لتحقيق ذلك . . لكن المجتمعات المتقدمة تسعى لخلق التكافؤ بين أفراد مجتمعها بحيث لا يكون هناك مجال واسع للطبقية وطغيان المال ويكوّن صاحب المال لنفسه دولة داخل دولة، ويظل الفارق بين الغني والفقير فارقاً مهولاً . . .

وفي الوقت نفسه تحاول هذه الدول أن تضع تشريعات وقوانين لكي يستفيد عموم الناس من ثروات الأفراد التي تزيد كثيراً عن حاجة هؤلاء الأفراد، وتمهد السبيل الى ايصال المنفعة الى العموم بطريق مباشر وغير مباشر .

وأهم الطرق المباشرة وأكثرها تأثيراً هي الضرائب التي تؤخذ من فائض الأموال، وتصرف في الأوجه النافعة حتى لدافعي الضرائب أنفسهم، في الصحة والتعليم والمساعدات الاجتماعية وتقوية أجهزة الدولة الخدمية بوجه عام .

وفي مثل هذه الأحوال يعم الشعور العام عند كل فرد بأنه مشارك ويساهم في التنمية، وأنه كلما ازدادت التنمية ازداد الناس رقياً، وفي نفس الوقت يصبح هناك إحساس بأن ما يكسبه أصحاب الأموال من الثراء هو ملك مشترك للأمة فيه حقوق، وهنا تعم أيضاً المحبة، وتزول الأحقاد والنظر الى الغني على أنه مستغل، وأن عموم الناس غير مستفيدة من ثرائه وأمواله، ويصبح الغني محبوباً والناس تدعو له بالمزيد .

وبالإضافة الى ما في أموال الأغنياء في المجتمعات المتقدمة من حقوق معلومة للدولة التي تقوم بدورها برعاية المستحقين من الطبقة ذات الدخل المحدود أو المعدم أو المتوسط، تقوم الفئات الثرية من الأفراد أنفسهم ببذل الأموال الشخصية تطوعاً على المشاريع الصحية والتعليمية والثقافية، ويخصص هؤلاء الأغنياء جزءاً كبيراً من مواردهم العامة للمشروعات النفعية والخدمية التي يقيمونها في المجالات الخيرية الأهلية .

وهنا يحق لكل واحد منا أن يتباهى بوجود أصحاب الأموال الكبيرة في المجتمع الذي نعيش فيه، ونشيرإلى هؤلاء الناس، أنهم من الأخيار وأنهم لا يستأثرون بالثروة التي أنعم الله بها عليهم، وانهم يؤثرون الآخرين ويعملون الخير كلما وجدوا الى ذلك سبيلا، أما أن يشار إلى وجود أرقام من الأموال تعلو وتتفاقم هنا وهناك، من دون أن يكون لهذه الأرقام الكبيرة دورٌ إيجابي تجاه المجتمع، فليس ذلك من عزائم الأمور، ولا تشكل أي قيمة مضافة، ليس للمجتمع وحده بل حتى لأصحاب الخزائن المالية أنفسهم .

agh@corys .ae

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"