إثيوبيا والفرص

00:38 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أيمن علي*
أكثر من نصف السكان أعمارهم أقل من 25 سنة، وتلك فئة تمثل فرصاً لعمالة محلية وقطاعاً استهلاكياً كذلك. وإذا استمرت الحكومة في فتح القطاعات أمام القطاع الخاص فإن الفرص الإثيوبية تبدو هائلة فعلاً.

قبل أيام شارك الرئيس السوداني والرئيس الجيبوتي رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد افتتاح مشروع المجمع الصناعي في بلدة جيما غربي إثيوبيا، وكذلك وضع حجر الأساس لمشروع طريق جديد يربط جيما بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا (بطول نحو 350 كم). وانتهز رئيس الوزراء الإثيوبي الفرصة ليؤكد على سياسة حكومته، التي تولت السلطة في إبريل الماضي، الهادفة إلى توسيع مشاركة القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية والتوجه أكثر نحو التصنيع والمشروعات التي توفر فرص عمل للشباب في مناطق إثيوبيا المختلفة. وبالطبع، شهد المناسبة إلى جانب رئيسي البلدين المجاورين في شرق إفريقيا، ممثلون عن الشركات الصينية التي تنفذ تلك المشروعات.
لكل من المشاركين في ذلك المشهد هدف بالطبع، لكن دلالته الرئيسية هي استمرار الحكومة الإثيوبية في خططها للإصلاح الاقتصادي لتشجيع الاستثمار الخارجي وكذلك ضبط مالية الحكومة دون التخلي عن برامج الإنفاق ذات البعد الاجتماعي.
وتشهد إثيوبيا، البلد كثيف السكان في إفريقيا (أكثر من 108 ملايين نسمة) والأكثر تنوعاً عرقياً ودينياً، منذ سنوات نمواً اقتصادياً هو الأعلى في إفريقيا وربما من بين الأعلى في العالم، إذ تجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي في مرحلة ما من 16 عاماً الماضية 10 في المئة. لكن نسبة النمو تلك تراجعت لتصل في العام الأخير إلى 7.7 في المئة (وهي نسبة نمو تظل كبيرة مقارنة باقتصادات أخرى بما في ذلك نمو الاقتصاد الصيني) نتيجة خفض الإنفاق الحكومي الاستثماري لضبط عجز الميزانية.
تراهن حكومة آبي أحمد على تشجيع الاستثمار الخارجي المباشر، وتحتل الصين مكانة رائدة في هذا، وأيضاً الاستثمار الخاص ضمن مبادرة الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وفي حال استمرت سياسة الإصلاح الاقتصادي التي تعد الركيزة الأهم للحكومة الجديدة يتوقع أن تساعد زيادة الصادرات على تخفيف حدة عجز الميزانية إضافة إلى ما توفره الاستثمارات الصناعية وفي مشروعات البنية التحتية من تخفيف حدة البطالة خاصة بين الشباب. وتبني الحكومة على فكرة المجمعات الصناعية، وتسعى الآن لربطها بمناطق الزراعة والثروات الطبيعية في البلاد. على سبيل المثال، فإن مجمع جيما قريب من مناطق زراعة البن وبالتالي هناك فرص كبيرة لتصنيع القهوة وهكذا.
مجمع جيما الصناعي هو السادس من نوعه في البلاد، ورغم أن الاضطرابات العرقية والعنف الدموي بين الشرطة والجيش والمحتجين قبل عامين تخللته هجمات على مواقع استثمار صناعي أجنبية إلا أن الاستقرار السياسي النسبي ورفع حالة الطوارئ مع تولي آبي أحمد السلطة تعيد التفاؤل الحذر للمستثمرين. وتطمح الحكومة الإثيوبية إلى أن يبادر القطاع الخاص والمستثمرون الأجانب للاستفادة من تلك الفرص، كما يبدو مثلاً من مجمع جيما الصناعي الجديد أنه مهيأ لصناعات مثل النسيج وصناعات غذائية وغيرها.
لكن فرص الاستثمار في إثيوبيا لا تقتصر على التصنيع فحسب، وإن كان ذلك هدف الحكومة الرئيسي. فالصين وروسيا وغيرها تستثمر بكثافة في مشروعات البنية الأساسية، وهناك فرص تكاد تكون بكراً في قطاعات الخدمات وغيرها. على سبيل المثال، فأكثر من نصف سكان إثيوبيا أعمارهم أقل من 25 سنة، وتلك فئة تمثل فرصاً لعمالة محلية وقطاعاً استهلاكياً كذلك. وإذا استمرت الحكومة في مشوار فتح بعض القطاعات التي تسيطر عليها الدولة بالكامل أمام القطاع الخاص فإن الفرص الإثيوبية تبدو هائلة فعلاً.
على سبيل المثال، تحتكر شركة حكومية قطاع الاتصالات في البلاد، وهناك مساحة غير عادية للنمو والتطوير في هذا القطاع. فلتتصور أن نسبة انتشار الإنترنت بين الإثيوبيين لا تتجاوز 2 في المئة! والاستثمار في هذا القطاع مؤهل لتحقيق نمو هائل وعائدات استثنائية في آن. وهناك قطاعات مماثلة غير الصناعة والزراعة توفر فرصاً مشابهة أو قريبة من ذلك.
في بلد لا يزيد حجم اقتصاده عن 80 مليار دولار إلا قليلاً ويقترب تعداد سكانه من 110 ملايين نسمة، يحتاج إلى استمرار معدل نمو فوق 7 في المئة لسنوات لتصل نسبته للناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 350 في المئة). وحتى إذا نجحت سياسات الحكومة الإصلاحية في تحقيق نسبة النمو العالية فإن استدامتها على المدى المتوسط على الأقل ضرورية ليشعر الإثيوبيون بالنتائج. وفي أحدث تقرير له، بداية ديسمبر، يقدر صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد الإثيوبي بنحو 8 في المئة أي يأخذ النمو منحى الصعود بعد تراجع العام الأخير. لكن ذلك المعدل بحاجة للزيادة باطراد.
هناك أيضاً الحضانة السياسية لعملية الإصلاح الاقتصادي التي تعد ضرورية لضمان استمرار خطط الخصخصة الجزئية وسن التشريعات المشجعة للاستثمار والضامنة لحقوق المستثمرين. وقد بدأ رئيس الوزراء آبي أحمد بخطوات داخلية وخارجية مشجعة جداً، من الإفراج عن المعتقلين السياسيين إلى السماح بعودة المعارضين المتمردين من العرقيات المختلفة وقام بزيارة مصر وإريتريا ما فتح باباً لضمان الاستقرار الإقليمي كذلك. ويتطلع كل من يراقب الأوضاع في إثيوبيا لانتخابات 2020 التي وعد رئيس الوزراء أن تكون حرة ونزيهة.
رغم إغراء الفرص، وما يبدو من بشائر إصلاح اقتصادي وسياسي، إلا أن الأمر لا يخلو من المخاطر بالطبع. لكنها تظل في نطاق المقبول لأي استثمار، طالما لم تعد جذوة الصراعات العرقية والطائفية للاشتعال. كذلك تحتاج الحكومة إلى جهود هائلة لإصلاح هيكل مؤسسات البلاد، وتحديداً ما يتعلق منها بالحكم المحلي في المناطق المختلفة، لضمان تقليل الفساد ومواجهة الثقافة العرقية والقبلية. صحيح أن الإرادة السياسية متوفرة، وذلك هو مشروع رئيس الوزراء الشاب، إلا أن ما يسمى «الحرس القديم» لم ينته تماماً.

* كاتب صحفي مصري
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"