إدلب.. اتفاق موسكو يترنح!

02:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد نور الدين

ما إن بدأت الدوريات المشتركة التركية الروسية على طريق «أم 4» الواصل بين اللاذقية وحلب شمال غربي سوريا، حتى توقفت وتأجلت حتى إشعار آخر.
اتفاق موسكو في الخامس من مارس/آذار الجاري لحظ إقامة منطقة آمنة على امتداد طريق حلب اللاذقية بعمق 6 كيلومترات شمالاً ومثلها جنوباً، وهذا الأمر يتطلب إخلاء هذه المنطقة من كل وجود مسلح، سواء من الجيش السوري أو التنظيمات المسلحة المصنفة إرهابية التي تسيطر على معظم تلك المناطق.
وكان أساس استئناف المعارك منذ أواخر العام الماضي، وصولاً إلى ما قبل اتفاق موسكو بين الجيشين السوري ومن معه، والتركي ومن معه، هو عدم التزام تركيا بتنفيذ اتفاق سوتشي الموقع في 17 سبتمبر 2018، والذي ينص على وعد تركي بسحب كل عناصر التنظيمات المصنفة إرهابية، وخصوصاً «هيئة تحرير الشام» من المنطقة العازلة التي لم تنفذ أساساً بين الجيش السوري والمسلحين، وإقامة 12 نقطة مراقبة على امتداد هذا الخط، كما سُحب السلاح الثقيل من هذه المنطقة.
لكن تركيا لم تنفذ سوى بند واحد هو تركيز نقاط المراقبة، بما يعني وجوداً تركياً عسكرياً للمرة الأولى في هذه المناطق المتقدمة من الجبهة. أما سحب المسلحين المتطرفين فلم تحاوله تركيا، فبقوا حيث هم. وغضبت روسيا أكثر من مرة، وكانت تعطي تركيا فرصاً إضافية لتنفيذ ذلك، إلى أن طفح الكيل الروسي فكان انفجار الوضع مرة أخرى مع مطلع ديسمبر 2019، وحتى 5 مارس/آذار الجاري.
اليوم تكرر تركيا الفعلة نفسها ولا تقوم بالضغط على المسلحين للانسحاب، وفي هذه الحالة تركيا أمام خيارين: إما أن تقنع المسلحين بالانسحاب سلماً، أو تدخل في صدام معهم لتصفيتهم.
وقد ألمح وزير الدفاع خلوصي أكار عشية اتفاق موسكو، إلى أن بلاده ستلجأ إلى القوة إذا تطلب الأمر في التعامل مع الجماعات الراديكالية، لكن تجارب تركيا في الماضي تدل على أنها لا يمكن أن تدخل في صدامات مع أي جماعة مسلحة في مناطق نفوذها حماية لهم، ليس لأنهم تحولوا إلى ذراع لها في سوريا فحسب؛ وإنما في ساحات أخرى مثل ليبيا، لذلك فإن سياسة تركيا هي كسب الوقت لعل الظروف الضاغطة عليها تتغير.
وفي انتظار ذلك عملت تركيا على إرسال المئات من الآليات الحربية إلى مناطق خط التماس الجديدة مع الجيش السوري بعيد اتفاق موسكو، ما يعني أن تركيا وقعت اتفاق موسكو مرغمة، وهي تتحضر لجولة جديدة من المعارك عل النتائج تكون مختلفة عن المعارك السابقة، مستفيدة من دروس الصدامات الأخيرة؛ بل إنها أنشأت نقطة مراقبة جديدة شمال غربي حلب.
لكن حسب ما يظهر، فإن سلطة حزب العدالة والتنمية لم تتعلم الدرس، وأن المضي في مغامرات إضافية لن يزيد سوى كلفة معاركها العبثية هناك. فأكثر من 8 نقاط مراقبة أصبحت تحت سيطرة الجيش السوري وتحت الحصار، ومع ذلك تريد أنقرة الإبقاء عليها هي التي لم تعد لها وظيفة عملية؛ أي أن هذه النقاط ساقطة عسكرياً وجنودها ليسوا سوى رهائن بيد سوريا، كما أن تركيا لا تتحمل ضربة ثانية مثل التي وجهتها روسيا وسوريا عندما استهدفت غارة جوية واحدة رتلاً عسكرياً تركياً، وقتل أكثر من 40 جندياً وعشرات الجرحى في 27 فبراير الماضي.
ولم تكن ردود الفعل الداخلية التركية الواسعة على ذلك سوى تحميل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المسؤولية، وسؤاله عما يفعل في إدلب وفي سوريا عموماً؛ ذلك أن ضربة ثانية مثل هذه في المستقبل ستكون لها داخل تركيا نتائج سلبية جداً على صورته وموقعه، وهو الذي لم يخرج بعد من تداعيات الضربة الأولى.
إذا كان من خطوة إيجابية تقوم بها تركيا، فهي في تنفيذ اتفاق موسكو بحذافيره أولاً، ومن ثم التباحث مع سوريا وروسيا لوضع ترتيبات انسحابها من إدلب كلها، وكل المناطق التي تحتلها شمالي سوريا؛ لأن المستنقع الذي وجدت تركيا نفسها فيه في سوريا، والآن في ليبيا، لا نهاية له إذا أصرت على أن شمالي سوريا ليس سوى جزء من حدود الميثاق الملّي لعام 1920، وإذا لم تتراجع عن طموحاتها العثمانية من إدلب إلى طرابلس الغرب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"