إدلب والغائبون العرب

03:28 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

لا يكف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن التهديد بعملياته العسكرية «الوشيكة»، تارة في إدلب السورية وطوراً في طرابلس الليبية، وكأنه الوحيد صانع الحرب و«السلام» في المنطقة، بينما تجري من تحت الأحداث تفاصيل كثيرة يبدو أن السياسة التركية لا تتفطن إليها أو تتجاهلها عن عمد، مفترضة أن خططها ستمر، خصوصاً في ظل الغياب العربي المؤلم.
في سوريا انكشفت تفاصيل القصة بعد ثماني سنوات من الدم والتعتيم والمغالطات والأجندات المسمومة، وتبين أن «المطالب الثورية» التي تاجر بها كثيرون لم تكن إلا ستاراً أسود للتغطية على ارتكاب جريمة فظيعة بحق سوريا وشعبها، وتمثل الهدف الأكبر بإسقاط الدولة واستباحة مجالها ونسف عوامل وحدتها لصالح كل الأطراف التي لا تريد لهذه الأمة أن تتحرر من الوصايات الإقليمية والدولية. ولعبت تركيا دوراً أساسياً في كل ما جرى ويجري على الأرض السورية. فعبر حدودها تسلل الآلاف من المرتزقة من شتى الجنسيات تحت مسميات مختلفة، وتشكلت «جيوش» بعدتها وعتادها وانبثقت لائحة طويلة من فصائل الإرهاب بينها «داعش» و«النصرة» و«أحرار الشام»، وكلها مصنفة دولياً ضمن التنظيمات المتطرفة الخطرة. وعلى خط مواز من الترويع المسلح، انعقدت مئات الاجتماعات بحثاً عما يسمى «تسويات»، ليتبين أن كل تلك اللقاءات كانت ترمي إلى تحقيق أهداف تعذر على السلاح والإرهاب تحقيقها. كما تبين لاحقاً أن ما جرى كان حرباً دولية شاملة دفع الشعب السوري ثمنها بأرواح مئات الآلاف من أبنائه، وملايين المهجرين في المنافي القريبة والبعيدة.
ليس هناك شك في أن ما يدور في إدلب حرب تسعى من خلالها دمشق إلى استعادة جزء من أراضيها. ولا شك أيضاً أن هناك مأساة إنسانية يجب التعاطف مع ضحاياها، مع التنبيه إلى أن عشرات القرى والمدن السورية ظلت مختطفة لدى الجماعات المسلحة وظل سكانها رهائن وورقة للابتزاز يلعب بها كل من له مأرب في المحنة. وفي مرات كثيرة سعت أنقرة إلى استخدام «اللاجئين» سلاحاً في مواجهاتها، التي لا تنتهي، مع القوى الدولية. وهدد أردوغان، نفسه، بإغراق أوروبا بمئات آلاف المهجرين، إذا لم يلق الدعم لمخططاته ومساعية المثيرة للريبة والجدل.
اليوم هناك واقع جديد يتشكل، ويبدو أن كل الأوراق التركية، وغير التركية، ستحترق تباعاً. ويبدو أيضاً أن اللاعب الروسي مازال صاحب الكلمة الأخيرة، ولن يسمح مطلقاً بانهيار كل ما بناه في نحو خمس سنوات، فيما يظل الموقف العربي، الغائب الأبرز، وذاك الغياب مشكلة كبيرة لا بد من تداركها على عجل. فما يجري في سوريا منذ سنوات، حرب تدميرية يريد زبانيتها أن تتخطى حدود ذلك البلد إلى ما سواه، وهو ما يحدث أيضاً في ليبيا المنكوبة. أما تطلعات الشعوب في التغيير والإصلاح، فتظل أحلاماً مشروعة وتستوجب المساندة، ولكن ضمن الدولة السيدة، بعيداً عن الإرهاب والقتل والتهجير والتدخلات الخارجية المدمرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"