إذا صلُح المرور صَلُحت الأمور

03:18 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعزيز المقالح

من بين الزملاء الذين أكاد ألتقيهم كل يوم، زميل على درجة من الذكاء وإدراك الأمور، وله آراؤه المكتوبة والمذاعة عن عدد من القضايا الوطنية والقومية، لكن أفكاره في الآونة الأخيرة - وبعد أن توقف عن الكتابة- باتت تتمحور حول موضوع واحد، هو إصلاح حركة المرور في المدن والطرق العربية، وفي عواصمها خاصة؛ اعتقاداً منه أن إصلاح الحركة المرورية كفيل بإصلاح كل أنواع الفساد وأشكال الفوضى الضاربة أطنابها في سائر مرافق الحياة. وهو يخرج من بيته صباح كل يوم ليراقب عن كثب سير حركة المرور في واحد من الشوارع المزدحمة بالسيارات، وبعدها يذهب إلى عمله أو يعود إلى بيته، وقد أكلت الحسرة قلبه نتيجة ما تشاهده من فوضى وانحرافات، تجعل من الصعب التفكير في إيجاد حلول عاجلة وضرورية؛ لإصلاح الأخطاء والانحرافات في بقية الأجهزة التي تتكون منها كل دولة، ووضع حد لمعاناة الوطن والمواطنين، والبدء في السير في الاتجاه الصحيح.
وعندما كنا نلتقي ونغرق في نقاش بعض أو كل قضايانا، والاسترسال في البحث عن العوامل والأسباب التي أدت إلى تعقيد هذه القضايا، وكيفية الخروج من أزماتنا المتلاحقة، كان الزميل إياه يخرج من صمته ويقول: أصلحوا نظام المرور، وصدقوني إنه إذا صلح شأن هذا المرفق؛ فإن بقية المرافق ستكون على ما يرام، فضلاً عن أنها ستمهد لإصلاح القضايا الصغيرة منها والكبيرة، فالفوضى السائدة في حياتنا المرورية تعكس نفسها على بقية الأشياء، وهذا الزميل يؤكد أنه من خلال تجربته، يلاحظ الحالة النفسية لزملائه الموظفين، ومنهم من يمتلك سيارة خاصة أو من يستخدم النقل العام، وكل هؤلاء لا يكفون عن الشكوى بمرارة من خراب نظام المرور، وما يصدر عنها من حالات «القرف» التي تتسبب في الكثير من الإهمال والقصور في الأعمال الموكلة إلى كل واحد منهم، وما يشيعه الإحساس بالمرارة من تذمر وشعور باللامبالاة واليأس من إمكانية ضبط إيقاع الحياة على كل صعيد.
وأعترف أننا كنا نحن الزملاء في البداية لا نعترف بمنطق هذا الزميل، ولا نعطي أدنى اهتمام إلى ما يسوقه من أمثلة، لكننا منذ أيام فقط، بدأنا نقتنع بصواب ما يطرحه، وبدأ كل واحد منا يتذكر ما يعانيه شخصياً من حالة الاستهتار التي اشتهر بها نظام المرور في كثير من أقطار الوطن العربي، مقارنة بالدقة والانتظام وسهولة السير في الطرقات داخل المدن وخارجها في الدول التي تحترم النظام والقانون، وما تأسس في الأذهان من أن المخالفة المرورية جزءاً لا يتجزأ من مخالفة القانون والاعتداء على النظام، وحين تحاول أن تقفز من زاوية إلى أخرى، لكي تسبق السيارة التي أمامك أو تحاول تحدي شرطي المرور، وتكسر الإشارة مهما كان الثمن المالي الذي يترتب على المخالفة، فأنت في مثل هذه الحال تتحدى القانون وتعتدي على النظام العام في الوطن. وتفتح باب الخروج على قوانين الدولة من أوسع الأبواب، هكذا فهمنا موقف زميلنا أو هكذا نريد أن يفهم الآخرون، إن أرادوا حقاً أن تصلح الأمور وينتهي دابر الفوضى.
لقد قرأنا وسمعنا الكثير عن تلك الدول التي تجعل من واقع المرور في بلد ما مقياساً حقيقياً للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وسيكون بعض أشقائنا العرب الأجلاء -من هذا المقياس- على رأس قائمة من يعانون اختلالاً فادحاً في حياتهم انطلاقاً من أوضاع حالة المرور في مدنهم، وفي طرقهم الطويلة والقصيرة، وما تنقله صفحات الحوادث في الصحف العربية عن نسب ضحايا حوادث المرور، التي تفوق ضحايا الحروب، وضحايا الكوارث الطبيعية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"