"إسرائيل" تتضخم دولياً والعرب يتضاءلون

04:09 صباحا
قراءة 3 دقائق

سبحان مغير الأحوال، من كان يظن أن الموقف بين دولة بريطانيا العظمى والحركة الصهيونية سينقلب بين النصف الأول من القرن العشرين، والنصف الأول من القرن الحادي والعشرين، من النقيض إلى النقيض .

فيما بين 1918و،1948 كانت بريطانيا العظمى هي صاحبة السلطة العليا على أرض فلسطين التاريخية، فكان من البديهي أن يكون رضى المندوب السامي البريطاني على الحركة الصهيونية مطلوباً بأي ثمن، لتسهيل التحضيرات اللازمة لاغتصاب أرض فلسطين .

أما اليوم، في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، (وبعد أن استتب الأمر للحركة الصهيونية على كل أرض فلسطين التاريخية) فإن دولة بريطانيا العظمى، بزعامتها السياسية المتمثلة برئيس وزرائها، ووزير خارجيتها، لا تعرف كيف تستميح الحركة الصهيونية عذراً وتطلب عفوها ورضاها، لأن القضاء البريطاني تجرأ ومارس صلاحياته باعتبار وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، مطلوبة إلى العدالة البريطانية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، في نهاية العام 2008 ومطلع العام 2009 .

والأشد إيلاماً في هذا التطور الأخير، بالنسبة لكرامة بريطانيا وكرامة شعبها، أن طلب العفو قد أتى بعد أن صدر تهديد إسرائيلي رسمي علني بأن إسرائيل ستعاقب دولة بريطانيا على فعلتها، بالعمل على نسف النفوذ البريطاني والمصالح البريطانية أينما وجدت .

وبدل أن يعبر الساسة البريطانيون عن فخرهم بالمستوى الحضاري الراقي الذي وصلت إليه دولتهم، حيث أصبح القضاء فيها يعبر عن ضمير المجتمع البريطاني المدني، لا عن السلطة، فقد سارع الناطقون بلسان السلطة الحاكمة إلى التأكيد لإسرائيل، بعد طلب العفو والسماح عما حصل، بأنهم سيفعلون المستحيل، من الآن فصاعداً، لتغيير القوانين البريطانية التي تسمح بمثل هذه المفاجآت غير السارة للمسؤولين الإسرائيليين .

غير أن القصة إلى هنا، ما زالت تدور في إطار العلاقات البريطانية الإسرائيلية، فماذا عن العرب، الذين ارتكبت بحقهم جرائم الحرب، التي أصبحت موضوعاً صالحاً للاتهام والمحاكمة في أكثر من بلد أوروبي، وفقاً لقوانينه، وشرائعه القضائية؟

لا شك أن هذه الحادثة قد أتت، بعد كثير غيرها، شبيهة في طبيعتها ومعناها ونتائجها، تعبر عن تضخم الحجم الإسرائيلي والوزن الإسرائيلي، في مجالات السياسة الدولية، بالذات في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وعن تضاؤل الحجم العربي والوزن العربي، في المحافل نفسها .

فإذا نظرنا إلى القرار القضائي البريطاني، بطلب ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين عن جرائم حرب ارتكبوها، فإنه قرار لم يصدر عن مسايرة للحجم العربي، أو الوزن العربي، أو حرصاً على المصالح البريطانية في المنطقة العربية، فهي مصالح مصونة بهذا القرار ودونه، قبله وبعده، لكنه قرار صدر لتأكيد نزاهة القضاء البريطاني، حتى عندما لا تكون القضية ذات علاقة مباشرة بالمصالح البريطانية .

أما القرار البريطاني السياسي، الذي أعقب القرار القضائي، معتذراً عنه ومحرجاً به، فقد جاء يؤكد أن مجموعة الأنظمة العربية، ومجموعة الشعوب العربية، ليس لها في عيون ساسة بريطانيا وزن يضاهي وزن وزيرة سابقة للخارجية في إسرائيل .

ليست هذه الحادثة دليلاً وحيداً على هذه المسألة، وليست الدليل الأول، كما أنها على ما يبدو لن تكون الدليل الأخير .

فقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بصيانة الحقوق العربية (أو بعضها) في الصراع العربي الإسرائيلي، قابعة على رفوف الأمم المتحدة، لا تحرك أية قوة دولية نافذة ساكناً بشأنها، وذلك تعبيراً عن حقيقة الوزن العربي، والشأن العربي، في المحيط الدولي .

ها هي محكمة العدل الدولية تصدر قبل سنوات توصية (هي بمثابة قرار) باعتبار الجدار الفاصل الذي تبنيه إسرائيل في الضفة الغربية، إضافة إلى المستعمرات، منشآت غير شرعية، لا بد من إزالتها، لأنها مقامة في أرض محتلة .

ماذا حدث عملياً بهذا القرار القضائي الدولي؟ لا الوزن العربي كان كافياً لوضعه موضع التنفيذ، ولا الوزن العربي كان كافياً حتى لتحريك بعض القوى الدولية الكبرى، لتفرض على إسرائيل تنفيذاً فورياً له، حفاظاً على مصالحها في المنطقة العربية، إن لم يكن حفاظاً على شرف القانون الدولي .

هذا غيض من فيض لا تكفي أسطر هذا المقال لاستعراضه، لكنه ذو دلالات سياسية كافية، إذا ما قورن بطأطأة زعماء بريطانيا رؤوسهم خجلاً بقضائهم، بدل أن يرفعوا رأسهم اعتزازاً به، لا لشيء إلا إكراماً لعيون الحركة الصهيونية، وحتى لا تنفذ تهديدها بضرب النفوذ البريطاني في كل مكان .

إن وزن الأنظمة العربية ووزن الشعوب العربية في المنظومة الدولية، إذا بقي على هذا الحال من التضاؤل، أمام تضخم واضح في حجم الحركة الصهيونية ووزنها الدوليين، ليس من شأنه فقط أن يجعل كل حقوق العرب والفلسطينيين في الصراع العربي الإسرائيلي، تساوي صفراً مكعباً، بل من شأنه إذا استمر على هذا الحال إلغاء أي حق عربي وأي كرامة عربية، في الميزان الدولي .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"