إيران والتظاهرات والتداعيات

02:58 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.محمد السعيد إدريس

على الرغم من أهمية كل ما يثار الآن حول خطورة الاحتجاجات الشعبية التي تفجرت في إيران منذ يوم الجمعة الفائت (2019/11/15)، عقب قرار الحكومة الإيرانية رفع أسعار المحروقات والبنزين بصفة خاصة، فإن القضية المحورية الغائبة عن الاهتمامات هي الخلفيات، سواء كانت اقتصادية أم اجتماعية، التي دفعت الحكومة إلى اتخاذ هذه الخطوة، وهي تعرف أنها شديدة الحرج في هذا الوقت بالذات الذي تواجه فيه إيران تهديدات مكثفة سواء كانت بسبب تداعي الدعم الدولي للموقف الإيراني في الملف النووي، وبالذات الدعم الأوروبي؛ بعد الخطوات التراجعية التي اتخذتها إيران مؤخراً بالنسبة لالتزامها بالاتفاق، أو بسبب الموقف الحرج الذي يواجه وكلاء إيران الإقليميين خاصة في كل من لبنان والعراق؛ بعد اندلاع حراك شعبي غير مسبوق في البلدين يطالب بإسقاط حكم المحاصصة والطائفية السياسية.
في العراق خاصة كانت هناك اتهامات مباشرة لإيران بأنها تسيطر على من يحكمون العراق، ومن ثم هي مسؤولة بشكل مباشر عن تداعي حقوق المواطنين العراقيين.
ليس هذا فقط هناك أيضاً سؤال لا يقل أهمية وهو لماذا تفجرت الأحداث في إيران، وهي تعكس حالة رفض شعبية تتسع يوماً بعد يوم، في وقت يعيش فيه الإيرانيون حالة تعبئة عالية من كافة الأجهزة السياسية والإعلامية تطرح خطاباً سياسياً يقول إن البلاد تتعرض لعدوان خارجي أمريكي يستهدف سيادتها وكرامتها، وأن الضغوط والعقوبات الاقتصادية التي تفرضها الإدارة الأمريكية على إيران هدفها هو إذلال الشعب الإيراني وإجباره على الرضوخ للمطالب والشروط الأمريكية، وبالتحديد عودة إيران مجدداً إلى عصر التبعية الكاملة لواشنطن وحليفها «الإسرائيلي».
فإذا كانت القاعدة الرائجة في الاستراتيجيات الدفاعية والأمنية تقول إن التهديدات الخارجية تؤدي، في الأغلب، إلى تمتين الوحدة الداخلية والاصطفاف الوطني، فإن هذه القاعدة ذات حدود يجب مراعاتها، بمعنى أن الصمود الوطني له حد معين يختلف من شعب لآخر، ومن تهديد لآخر، ومن خصائص داخلية لدولة وأخرى، فكلما زاد الاستقرار الداخلي؛ زادت شرعية النظم التي تكون أكثر قدرة وكفاءة في مواجهة التهديدات؛ لذلك فإن نظام الحكم في إيران الذي يعتقد أنه يملك شرعية فائقة راهن على إفشال استراتيجية «أقصى العقوبات» الأمريكية ضد إيران باستراتيجية «أقصى صمود»، لكن هذه الاستراتيجية الإيرانية تواجه بالأحداث الأخيرة اختباراً صعباً في ظل تفجر الأحداث الأخيرة، وهي ضوء أحمر تقول إن «استراتيجية أقصى صمود» تتداعى أمام الأعباء المعيشية التي لا تطاق، وأن الناس باتت تدرك أن هذه الأعباء تفوق قدرتها على الصمود، وأن الشعارات السياسية لم تعد تجدي أمام وطأة الأعباء المعيشية المتفاقمة.
الحكومة الإيرانية باتت في مأزق إذا أخذنا في الاعتبار أن إقدامها على اتخاذ قرار رفع أسعار البنزين لم يكن اضطرارياً فقط؛ بل كان حتمياً لسببين؛ أولهما ما ورد على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني في كلمة له يوم الثلاثاء (2019/11/13) قال فيها، إن وضع بلاده «صعب ومعقد أكثر من أي حقبة مضت»، واعترف بأن العقوبات الأمريكية المفروضة على صادرات النفط الإيرانية جعلت إدارة شؤون البلاد صعبة للغاية، واقترح أن يتم تعويض النقص في خزانة الدولة «بزيادة الضرائب على الشركات والمواطنين». وكانت وكالة «مهر» الإيرانية الرسمية قد نشرت تقريراً (2019/11/13) ينص على أن «حصة النفط الخام في ميزانية العام الإيراني المقبل الذي سيبدأ في 21 مارس/آذار 2020 قد انخفضت إلى الصفر». هذا يعنى أن الأزمة الاقتصادية وصلت إلى ذروتها، وأن مردود العقوبات الاقتصادية ضد إيران يؤتي ثماره، وهذا أمر محفز للأمريكيين للثقة في سياستهم ومضاعفة الضغوط؛ لتحقيق أهدافهم كما يعني من ناحية أخرى أن هناك أزمة اقتصادية راهنة.
أما السبب الثاني فهو الأزمة التي تهدد المشروع السياسي الإقليمي لإيران في دول الجوار التي تعد مرتكز الدعم لهذا المشروع، وبالتحديد لبنان والعراق في ظل الحراك الشعبي المتصاعد في البلدين الذي يطالب بإسقاط النظم الحاكمة التي يشارك فيها حلفاؤها.
كان الأجدر ألا تتخذ الحكومة الإيرانية في هذا الوقت بالذات شديد الحرج قرارها، وهي تدرك أن الشعب الإيراني يتابع ما يحدث في الجوار، وأنه مهيأ لمحاكاة تلك الاحتجاجات الشعبية، خصوصاً إذا نجحت في تحقيق مطالب الإصلاح التي تريدها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"