إيران ومأزقها البنيوي

04:43 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

تبدو خيارات القيادة الإيرانية أمام الحصار والضغط الأمريكيين محدودة، خصوصاً مع سعي واشنطن إلى تصفير بيع النفط الإيراني، ومنع الدول من شرائه، وهو ما واجهته طهران بداية بالتصعيد، وإظهار استعدادها للمواجهة، والتهديد بإمكانية إغلاق مضيق هرمز الذي يمرّ منه ما يقارب 20% من النفط المصدّر إلى العالم، لكن هذا الخطاب التصعيدي، رافقته مساعٍ إيرانية ديبلوماسية مع شركاء أوروبيين، خصوصاً فرنسا، من أجل التفاوض مع واشنطن.
وفي الوقت الذي لا تبدو فيه واشنطن على عجلة من أمرها في إعادة التفاوض مع طهران، فإن صناع القرار في القيادة الإيرانية يستشعرون مخاطر استمرار هذه الحالة من المراوحة في المكان، فعدم رفع الحظر عن مبيعات النفط الإيراني ستكون له انعكاسات عدة على الداخل الإيراني، ليس على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية فقط، بل أيضاً على الصراع بين التيارين الرئيسيين، المحافظين والإصلاحيين، وهو ما بدأت ملامحه بالظهور، حيث شدّد قادة «الحرس الثوري» الإيراني على مخاطر انصياع الديبلوماسية الإيرانية للضغط الأمريكي.
في المقابل، أظهرت التصريحات المتوالية للرئيس حسن روحاني، ميلاً أكبر للتفاوض، مع إشارات متلاحقة حول صعوبة الأوضاع الاقتصادية في بلاده، وطالب الرئيس روحاني الإيرانيين ب«التوحد من أجل التصدّي للحرب الاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة على إيران»، ما يظهر المخاوف الإيرانية من تدهور الأوضاع الاقتصادية، وارتداداتها على الاستقرار السياسي للنظام الإيراني برمّته. وتدرك إيران أن المطالب الأمريكية للعودة إلى مسار التفاوض تطال هذه المرة، ليس برنامجها النووي فقط، بل أيضاً برنامج الصواريخ الباليستية، وتدخلات إيران الإقليمية، ما يعني فعلياً تغييراً كبيراً في تصوراتها عن الأمن في الشرق الأوسط، وقبولها بتقليص نفوذها العسكري والسياسي، أي باختصار خسارتها كل استثماراتها في مشكلات الإقليم، والارتداد نحو الداخل.
وليس سهلاً على القيادة الإيرانية، خصوصاً القيادة العسكرية، و«الحرس الثوري»، القبول بفقدان نفوذ إقليمي، تمّ العمل على بنائه على مدار العقد الماضي، وهو ما يعني بالنسبة للقادة الكبار في مؤسسة «الحرس الثوري» التقاعد عن المهام الكبرى، والقبول بفقدان امتيازاتهم داخل النظام السياسي نفسه، والتي حازوها نتيجة انخراطهم في ملفّات الإقليم، وبداية صراع داخلي مع القوى السياسية، قد تكون بمثابة بداية النهاية لهذه المؤسسة.
منذ عام 1979، انخرطت إيران عسكرياً في الإقليم، عبر «الحرس الثوري»، الذي لعب دوراً رئيسياً في الحرب مع العراق بين عامي 1980 و1988، وبنى عبر تلك الحرب قدرات وخبرات ومكانة داخلية في النظام السياسي، ما مكّنه لاحقاً من لعب دور أوسع في العراق، وسوريا، واليمن، حتى أصبحت السياسة الإيرانية الخارجية خاضعة بشكل كبير، وربما شبه كلي، لإرادة مؤسسة «الحرس الثوري»، ومصالح قادته الكبار.
واكتسبت الجمهورية الإسلامية الإيرانية شرعيتها السياسية في الداخل والخارج من قضايا إقليمية ودولية، ولا تزال تسعى إلى الإبقاء على هذه الشرعية، إذ إن النظام السياسي الإيراني يعيش، ويتنفس، ويستمر من خلال الأدوار الخارجية، وقد أنفقت إيران في حروبها وتسلّحها ميزانيات ضخمة، على حساب قضايا التنمية الاقتصادية، وعلى حساب الاقتصاد الإيراني، والحياة المعيشية لشعبها، في الوقت الذي أصبح «الحرس الثوري» إمبراطورية مالية كبيرة، بعيدة عن أي محاسبة ومساءلة قانونية.
إن مأزق إيران الكبير يتمثّل في بنيتها وشرعيتها، فهي من حيث الشكل السياسي تمتلك آليات انتخابية برلمانية ورئاسية، لكن من حيث الجوهر، فإن من يحدّد السياسات الإيرانية، ويهيمن عليها، هو «الحرس الثوري»، والقادة الأمنيّون، ومن حيث الشرعية، فإن إيران تأخذ شرعيتها من اشتباكها وانخراطها في الصراعات الخارجية، وليس من كونها قادرة على تحقيق استقرار، ورفاه، وازدهار المجتمع الإيراني.
إن الوهم الكبير الذي يعيشه، ويمارسه القادة في هذا النمط من الدول هو إمكانية ديمومة الحكم بالأدوات القديمة ذاتها، من دون الانتباه إلى تمزّق الشرعية التي أوصلتهم إلى الحكم، أو تغيّر المناخات الدولية، وهم في إصرارهم على لعب أدوار أكبر من حجمهم، أو من إمكانات بلادهم، فإنهم يأخذون أنفسهم وبلادهم إلى نهايات مأساوية، حيث يصعب، حين يفوت الوقت، تصحيح الأخطاء، من دون دفع أثمان باهظة، غالباً ما تكون على حساب الفئات الأكثر فقراً، وتهميشاً في المجتمع، وعلى حساب الأمن والاستقرار الداخليين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"