الأطلسي والتوسع شرقاً

03:24 صباحا
قراءة دقيقتين

يوم احتفل حلف الأطلسي بالذكرى الخمسين لتأسيسه عام ،1999 وتحت وهج الانفراد الأمريكي الطاغي على المسرح السياسي، بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وانحسار نظام القطبية الثنائية، فقد بعثت تلك المناسبة، الحياة في أحد أهم أهداف الحلف المؤجلة، والخاص بضرورة توسيعه شرقاً كإحدى الضمانات الأساسية التي تمكنه وقواه الفاعلة من السيطرة على عموم تفاعلات القوى القديمة والجديدة، التي تتقاطع أو تتوافق معه في عموم أنشطته وبما يعطيه الأرجحية كقوة متميزة لا تزاحم. وازاء ذلك فقد جرى وبحماس قبول كل حبات العقد الاشتراكي الذي انفرط بعد بيرويستريكا جورباتشوف، مما هيأ الأمور لأن تكون بولندا وهنجاريا ورومانيا والبقية الباقية، أصواتاً عالية في مضمار الناتو وموجهيه، وبطريقة حماسية لا تملكها حتى الدول المؤسسة لهذا الحلف.

واليوم والرئيس الأمريكي بوش، يدعو في قمة بوخارست الأخيرة، إلى تنشيط ما تبقى من المشروع القديم بالتوسع شرقاً، فإنه بذلك يلامس العصب الحساس لروسيا، خاصة بدعوته لقبول أوكرانيا وجورجيا كأعضاء في الحلف، مع جعل الحلف مفتوحاً لكل القوى الديمقراطية الأوروبية. مثل هذه الدعوة تعتبر استفزازاً كبيراً لروسيا، لإدراكها عمق الخطوات المتوافقة لمحاصرتها وفقاً لأشكال متعددة، كان آخرها موضوع الدرع الصاروخية المزمع اقامتها في بولندا وتشيكيا.

إن أشكال الغواية التي تقدمها الولايات المتحدة لدول القارة الأوروبية في الاصطفاف معها، لا تخرج عن كونها لحظة بهرجة آنية، توظف نتائجها لمصلحة المخطط الكوني الأمريكي الهادف لاستمرار استفراده في التحكم بمسرح السياسة الدولية، من خلال أشكال متعددة من الممارسات والفعاليات المكملة لبعضها، وفي المقدمة من ذلك العضوية في حلف الأطلسي التي تستخدم كجواز مرور لهذه الدولة أو تلك للانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي وبالشكل الذي يمكنها من التوافق والمعايير الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المعمول بها في الساحة الأوروبية، ما ينعكس ايجاباً على عموم شرائح وطبقات الشعب والمجتمع.

إن روسيا وبإرثها الكبير، مستعصية على الترويض حتى وإن كانت ملامح الساحة تنبئ بتيارات متدفقة قد تحاصرها، والسبب في ذلك أن التكافؤ في معادلات الصراع يستوجب أن يستند على معايير قوة، لا على بهرجة إعلامية أو رغبة سياسية، وهذا ما تدركه كل أطراف اللعبة، ولذلك فإن الرفض الفرنسي والألماني للرغبة الأمريكية بقبول أوكرانيا وجورجيا في حلف الأطلسي، يتوافق ومدركات لعبة القوة في الساحة الأوروبية، مكانة وقدرة ونفوذاً، مع سعي الجميع لزحزحة هيمنة وانفراد القطب الواحد.

* كاتب وأكاديمي عراقي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"