الأمم المتحدة إلى أين؟

03:43 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تأسّست الأمم المتحدة لتعبّر فعلياً عن انبثاق نظام دولي جديد، يتوّج ويعكس نتائج الحرب نفسها، ويضع مبادئ جديدة ومستقرة للأمن والسلم العالميين، وفي مسار عمل الأمم المتحدة، ارتكزت هذه المؤسسة الأممية على خمس ركائز أساسية، وهي المبادئ الحقوقية العامّة، بحيث تتصف بالشمولية وعدم التمييز، وتوافق الأعضاء على تطبيق تلك المبادئ بشكلٍ عادل، ووجود آليات تنفيذية ولجان متخصصة وفرق عمل، تساعد في الكشف عن الحقائق والمعلومات، لدعم اتخاذ القرار وتنفيذه، بما لا يتعارض مع المبادئ العامة، مثل مبدأ سيادة الدول، ووجود إمكانات مالية يقدّمها الأعضاء لتمويل الأعمال والمهام الموكلة للأمم المتحدة، ومؤسساتها المختلفة، وأخيراً وجود القدرة العسكرية اللازمة لتنفيذ بعض القرارات، فيما لو اقتضى الأمر ذلك.
لكن، وكما هو معروف، فإن الركائز الخمس آنفة الذكر، تخضع بشكل كبير وأساسي إلى مصالح القوى العظمى، خصوصاً للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي الولايات المتحدة، والاتحاد الروسي (سابقاً الاتحاد السوفييتي)، والصين، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وقد كانت مصالح هذه الدول، بتقاطعاتها وتناقضاتها، مؤمنة بشكلٍ واضح، خلال فترة الحرب الباردة، منذ تأسيس الأمم المتحدة ولغاية سقوط الاتحاد السوفييتي، وهو ما سمح ببناء بيئة دولية آمنة إلى حدّ كبير، لكن الخلل الذي أصاب النظام الدولي منذ مطلع تسعينات القرن الماضي ترك آثاراً سلبية على عمل الأمم المتحدة، وأيضاً على الركائز التي تأسّست عليها.
خلال العقد الأخير، أخذت الأمم المتحدة تعاني أزمة التوافق بين الدول الكبرى في النظام الدولي، بعد أن بدا جليّاً أن الولايات المتحدة لم تتمكّن من أخذ دور الريادة في النظام الدولي، على الرغم من الدعم الكبير الذي نالته الولايات المتحدة من شركائها الأوروبيين، بل والتعاطف العالمي معها، بعد أحداث أيلول/ سبتمبر 2001، وهو ما أفسح المجال أمام عودة التنافس بين الثلاثي الأمريكي والروسي والصيني.
تبرز المواجهة غير المباشرة بين الثلاثي العالمي في ساحات عدّة، من بينها الشرق الأوسط، حيث تبدو الولايات المتحدة واقعة بين حاجتها لتركيز اهتماماتها على المواجهة مع الصين، من دون القدرة على إتمام الانكفاء النهائي عن الشرق الأوسط، الذي كان قد بدأه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، كما أن روسيا وجدت في الانكفاء الأمريكي فرصة لتعزيز مكانتها الدولية، عبر الحدث السوري، وجعله أحد ركائز العودة القوية لها إلى الساحة الدولية، وقد انعكست المواجهة بين الثلاثي داخل أروقة الأمم المتحدة من خلال الملف السوري، منذ أواسط عام 2012، حيث ظهرت تباينات كثيرة بين الطرفين الأمريكي والروسي حول تفسير بيان «جنيف -1» الصادر في 30 يونيو/ حزيران من العام نفسه.
خلال السنوات السابقة، وقف «الفيتو» المزدوج الروسي الصيني في وجه اتخاذ قرارات حاسمة بالشأن السوري، وأخذت روسيا، ومن ورائها الصين، تلعب دور المدافع عن النظام السوري، وهو ما أعاق عمل الأمم المتحدة في لحظات حرجة من عمر الصراع السوري، حيث بدت المؤسسة الأممية عاجزة عن تطبيق أبسط مبادئ القانون الدولي، المتعلقة بحماية المدنيين خلال النزاعات والحروب، كما في الغوطة الشرقية، حيث تمّ ترك السكان المدنيين تحت نيران القصف الروسي، من دون أن تستطيع فرق الأمم المتحدة عمل أي شيء لهم. عجز المؤسسة الأممية، ونقص كفاءتها في إنفاذ القانون الدولي، لم يظهر في الجانب الإنساني فقط، بل في الجانب السياسي، وهو الأهم، فعلى الرغم من استصدار القرار الأممي 2254، بتاريخ 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015، القاضي بتشكيل «هيئة حكم ذات مصداقية، وتشمل الجميع وغير طائفية، واعتماد مسار صياغة دستور جديد لسوريا في غضون ستة أشهر»، إلا أنه، وعلى الرغم من مرور ما يقارب الأربعة أعوام، فإن شيئاً من هذا القرار لم يطبق.
كل ما يجري بشأن مستقبل سوريا، يتمّ العمل عليه وفق مسارات لا علاقة لها بالأمم المتحدة، فقد تحوّلت مفاوضات الدول الثلاث الضامنة، روسيا وتركيا وإيران، إلى بديل عن القرار الأممي، في تجاوز واضح للتوافقات الدولية، وعبر فرض سياسات الأمر الواقع، من دون أدنى اعتبار لقضايا الأمن والسلم في مجمل الشرق الأوسط، وفي مقدمتها تمدّد النفوذ الإيراني، وتهديده لدول الجوار، وأمن الطاقة في العالم.
إن الأرضية التي وفرتها معادلات القوة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية لنشوء وعمل الأمم المتحدة، لم تعد موجودة، فما نشاهده اليوم من آليات تحقيق مصالح اللاعبين الكبار يبتعد كل البعد عن الركائز التي تأسست عليها الأمم المتحدة، وهو ما يضع مشروعية ومصداقية المؤسسة الأممية الأبرز على المحك، بل ويضع وجودها نفسه موضع تساؤل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"