الإسلام السياسي والمؤسسة العسكرية الجزائرية

03:42 صباحا
قراءة 4 دقائق
الحسين الزاوي

عرفت الساحة السياسية الجزائرية في الآونة الأخيرة عودة مفاجئة للنقاش المتعلق بدور المؤسسة العسكرية في الممارسة السياسية وفق سيناريوهات سبق أن عاشتها العديد من الجمهوريات العربية والإسلامية، وهو نقاش يستمد مشروعيته من الدور المحوري الذي لعبته المؤسسات العسكرية في بناء الكيانات الوطنية في دول إقليمية كبرى مثل مصر وتركيا وباكستان وإندونيسيا وسوريا والعراق. وقد شكل هذا الدور السياسي منذ بداياته الأولى تحدياً كبيراً بالنسبة للقوى التقليدية والمحافظة التي خسرت هيمنتها على معظم المجتمعات مشرقاً ومغرباً، بسبب تبني هذه المؤسسات لأفكار تحديثية قائمة على تصور مدني للدولة والمجتمع. وبالتالي فإنه وبعد قيامها بالكثير من المراجعات، اضطرت هذه القوى نتيجة للتحوّلات المجتمعية، وبضغط من الأحداث، إلى تغيير خطابها المعادي لكل تجليات الحداثة السياسية المعاصرة، من خلال تبني استراتيجية انتقائية قائمة على القبول بالصيغة الشكلية لديمقراطية صناديق الانتخاب، ولكن مع استبعاد المنطلقات الفكرية والثقافية للديمقراطية المعاصرة.
ودأبت هذه القوى التقليدية، التي باتت تشكل العمود الفقري لما أضحى يعرف بجماعات الإسلام السياسي، على التنديد بالوصاية التي تقول إن الجيوش تفرضها على العمل السياسي، وعلى اتهام المؤسسات العسكرية بمنعها من المشاركة في الحياة السياسية في العديد من الدول، بل وبحرمانها من «انتصاراتها» التي حققتها في مناسبتين بارزتين.
لكن الطريف فيما حدث مؤخراً من سجال سياسي في العاصمة الجزائرية في منتصف شهر تموز/ يوليو الماضي، هو قيام زعيم حزب الإخوان المسلمين في الجزائر عبدالرزاق مقري بتجاوز كل هذه التهم من خلال تقديم دعوة صريحة للمؤسسة العسكرية وبالتحديد إلى قائد أركان الجيش أحمد قايد صالح من أجل تسوية «الأزمة السياسية» بالجزائر والإشراف على تنظيم مرحلة انتقالية ديمقراطية، مؤكداً على أن المؤسسة العسكرية يجب أن تكون طرفاً فاعلاً في حل هذه الأزمة، وذلك في سياق المبادرة التي أطلقها حزب مقري المسمى حركة مجتمع السلم (حركة المجتمع الإسلامي سابقا)، والهادفة إلى صياغة توافق وطني.
وقد أطلق تصريح زعيم الإخوان في الجزائر، ردود أفعال متباينة أجمعت في مجملها على رفض إقحام الجيش في معترك السياسة سواءً من أحزاب الموالاة أو من التشكيلات السياسية المعارضة؛ كما جاء رد المؤسسة العسكرية على مقترح مقري حاسماً، حيث أكد قائد الأركان أن الجيش لن يشرف على مرحلة انتقالية ولن يتدخل في أي مبادرة تؤدي إلى إعادته إلى الواجهة السياسية، مشدِّداً في اللحظة نفسها على أن الجيش الوطني الشعبي(التسمية الرسمية للجيش الجزائري) يعمل وفقاً لصلاحياته الدستورية ولا يمكنه أن ينخرط في الصراعات الحزبية والسياسية. وكان لافتاً تركيز قايد صالح في تدخله على أن الجيش يتلقى توجيهاته من «المجاهد وفخامة» رئيس الجمهورية القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع، في إشارة منه إلى جانب من الصلاحيات الأمنية والدفاعية التي يمنحها الدستور الجزائري لرئيس الدولة.
وحاول عبدالرزاق مقري من جهته أن يدفع عن حزبه السياسي تهمة دعوة الجيش إلى التدخل المباشر في السياسة، وأشار في تصريح له إلى أن كلام رئيس أركان الجيش ليس موجهاً لحركة مجتمع السلم التي تؤكد فقط على ضرورة أن تقوم المؤسسة العسكرية بحماية التوافق السياسي بين الجزائريين في حال تحققه، وهي إشارة واضحة منه إلى مشكلة الممارسة السياسية ومعضلة التداول السلمي على السلطة في معظم الجمهوريات العربية والمتعلقة بغياب ضامن حقيقي للعملية الديمقراطية خارج إطار المؤسسات العسكرية، نتيجة لضعف مؤسسات المجتمع المدني وتواضع الدور الذي تقوم به الجمعيات الأهلية في قيادة المجتمعات وفي دفع الأحزاب السياسية إلى الالتزام ببنود العقد السياسي والمجتمعي الذي يجمع ما بين كل الأطراف المتنافسة على الحكم.
وبالتالي فإن مشكلة الإخوان المسلمين وكل تيارات الإسلام السياسي لا تتعلق برفض تدخل الجيش في السياسة بقدر ما ترتبط بالرغبة في أن تتحول المؤسسة العسكرية إلى داعم لمشروع الدولة الدينية، وهذا ما يفسّر على سبيل المثال ترحيب ومباركة زعيم إخوان الجزائر بالإجراءات التي قام بها رجب طيب أردوغان من أجل تدجين وإخضاع المؤسسة العسكرية التركية بدعم من جهاز الاستخبارات الموالي له؛ كما يفسِّر في الآن نفسه التحامل الكبير الذي أبداه مقري ضد ثورة 30 يونيو 2013 في مصر، وتحديداً ضد المؤسسة العسكرية المصرية.
وهناك مؤشرات عديدة تدفعنا إلى الاعتقاد، أن انتقاد جماعات الإسلام السياسي المتواصل للمؤسسات العسكرية ولما تسميه بحكم العسكر، سيتوقف من دون شك بمجرد أن تتخلى هذه المؤسسات عن دورها القيادي والتحديثي، وتنخرط في مباركة مشروع المجتمع الذي تدافع عنه كل الحركات السياسية التي خرجت من عباءة التنظيم الدولي للإخوان. أما بالنسبة للحالة الجزائرية التي أشرنا إلى جانب بسيط من تفاصيلها المعقدة، فإن المشكلة الأساسية التي تواجه النخبة الحاكمة ومعها قسم من المعارضة الملتزمة بقواعد اللعبة السياسية، وذلك منذ نهاية الولاية الرئاسية الثانية للرئيس الحالي، تتعلق بصعوبة التوافق حول الخليفة المحتمل للرئيس بوتفليقة من أجل الانتقال من مشروعية حكم جيل حرب الاستقلال الوطني إلى مشروعية سياسية بديلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"