الإمارات وصناعة قادة المستقبل

02:51 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. ناجي صادق شراب

من أولويات المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، منذ اليوم الأول لتأسيس الدولة، الاستثمار في المواطن الإماراتي. ومنذ البداية أدرك كل التحديات والمصاعب التي تواجه مرحلة التأسيس، وأدرك ماذا يعني أن تحتضن الدولة أكثر من مئتي جنسية، فكان التسامح منهاجاً، وفي الوقت ذاته الاستثمار في بنية التعليم والصحة والثقافة.
وهذه تتطلب مقومات من المعرفة والحب والشعور بالانتماء لدولة واحدة، وتحويل الإنسان الإماراتي من إنسان ينتمي لقبيلة أو إمارة، إلى مواطن ينتمي لدولة واحدة، تأكيداً لنجاح هذه الرؤية المقارنة عند تأسيس الدولة عام 1971، فمن ولدوا في ذلك التاريخ تصل أعمارهم اليوم إلى حوالي خمسين عاماً.
هذا الجيل لو أجرينا تقييماً ودراسة له سنجده هو من يدير الدولة، وسنجد عدداً كبيراً من أصحابه وزراء ونواباً في المجلس الوطني، ويشغلون المناصب العليا في الدولة على كافة مستوياتها، وهم من يشكلون النخبة الحاكمة التي تعمل وتشارك في صناعة القرار والسياسة العامة.
إن صناعة قادة المستقبل تقع اليوم في صلب رؤية الدولة الاستراتيجية لعام 2071، وهي استراتيجية تواكب توالد وتتالي الأجيال. ولا شك في أن الأجيال تختلف من جيل إلى آخر، ومع الاختلاف تختلف مقومات وأسس الحكم الرشيد. فالحكم الذي لا يساير التغييرات الهائلة في بيئته السياسية، قد يخلق فجوة حكم كبيرة، وهذا ما أدركته القيادة السياسية في دولة الإمارات من خلال العمل على ومواكبة التغييرات المتسارعة والكبيرة في البيئة السياسية لدولة الإمارات، ومن أبرز هذه التغييرات العنصر السكاني ومتطلباته ورؤاه، التي يعيشها ويكتسبها من بيئة عالمية تتجاوز الحدود.
تعيش الدولة اليوم الثورة الصناعية الرابعة بكل تداعياتها ومخرجاتها، وتعيش عصر ما بعد الفضاء، والثورة الرقمية، وثورة الذكاء الاصطناعي بكل تعقيداتها العلمية التي باتت تدخل في تفاصيل الحياة اليومية للإنسان. ولعل دولة الإمارات من أكثر الدول انفتاحاً على العالم الخارجي، ما يعنى أن حجم التغييرات ليس مقتصراً على البيئة الداخلية؛ بل يضاف إليه التغييرات في البيئة الخارجية.
هذه التغييرات تحتاج إلى قيادة حكم رشيدة واعية منفتحة ولديها الرؤية؛ قياده تقدر وتستجيب لهذه التغيرات، ما يتطلب إعداد الجيل الذي سيتولى القيادة لمواكبة الثورة الرقمية، وثورة الذكاء الاصطناعي، ولذلك فإن إنشاء جامعة الشيخ محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي أيضاً ليس ترفاً أو مجرد إضافة في عدد الجامعات؛ بل الهدف منها إعداد وصناعة النخبة السياسية، والقيادة القادرة على مواكبة التعامل مع هذه التغييرات. وإعداد هذه النخبة يبدأ من طلاب المدارس في المراحل الدراسية المختلفة، وتحديداً من مرحلة التأسيس الابتدائية.
الحكم ليس مجرد سلطة ولا مجرد نفوذ وجاه؛ بل هو قرار ومسؤولية، وقدرة على إدارة وحل كل المتطلبات التي تفرضها التغييرات والتحديات الكبيرة في بيئة النظام، وهى ليست مقتصرة على المطالب المادية؛ بل المساهمة في بناء منظومة متجددة تحكمها رشادة الحكم؛ أي الحكم الذي يعزز ويدعم ويصون رفاه الإنسان، ويعمل على توسيع قدرات البشر وخياراتهم السياسية.
وتكفي الإمارات شهادة بيل جيتس بقوله، إنه بمساعدة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ودولة الإمارات، تم التغلب على مرض شلل الأطفال.
هذه الرؤية التي تتبناها القيادة السياسية في دولة الإمارات، يؤكدها التمكين السياسي الكامل للمواطن، وهو في أوسع معانيه المساهمة والمشاركة في عملية صنع القرار؛ أي توسيع دائرة النخبة التي نراها اليوم بشكل كبير في عدد الوزراء من المواطنين وممن يحملون أعلى الشهادات العلمية والكفاءات، وما كان يمكن أن نرى هذه المساهمة دون إيمان القيادة بصناعة النخبة التي تقود، وتوسيعها. ونراها أيضاً في العديد من المناصب العليا.
هذه الرؤية هدفها في النهاية، توفير كل مقومات الاستقرار والتوازن السياسي وتجدد فاعلية شرايين الحكم برفدها بأبناء هذه النخبة التي تحرص الدولة على إعدادها من المرحلة الدراسية الأولى. هذا هو الطريق إلى المستقبل، وهذه هي الرؤية الاستراتيجية للعام 2071، وهذه هي دولة الإمارات بعد 48 عاماً على إنشائها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"