الاستثمار في المدن (1-2)

01:08 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. لويس حبيقة *

أهمية المدن أنها تسمح بخلق شركات كبيرة وبالتالي للاستفادة من الحجم الذي يخفض معدل التكلفة وهذا ما تطمح إليه كل الشركات.

من مزايا التنمية استحداث أو توسيع مدن تكبر مع الوقت بسبب التكنولوجيا والتوزع السكاني. مهما كبر الريف وتطور، لا يعتبر العالم والشعب أن اقتصاده تطور وتقدم. التنمية تعني التمدن أي الاعتماد على المدينة بدرجة كبيرة. أهمية المدن ليس فقط تغيير الحياة، بل تطويرها، بل تعني أيضاً رفع إنتاجية العمل خاصة في الخدمات. أهمية المدن أنها تسمح بخلق شركات كبيرة وبالتالي للاستفادة من الحجم الذي يخفض معدل التكلفة وهذا ما تطمح إليه كل الشركات. أهمية المدن أنها تخفف تكلفة النقل التي تشكل قسماً كبيراً من تكلفة الإنتاج عندما يتم نقل السلع من المنتج إلى المستهلك عبر مسافات طويلة في الريف. أهمية المدن أنها تفرض على الحكومات تطوير البنية التحتية من طرق وكهرباء واتصالات وبالتالي تسهل حياة المواطنين وتصلهم ببعض بأقل تكلفة ممكنة. المدن ليست كلها إيجابيات، بل سلبياتها ممكن أن تكون أقل.

نتكلم دائماً عن الثورة الصناعية كمصدر للتطور ولتغيير الحياة الإنتاجية والاستهلاكية. ماذا عنت حقيقة الثورة الصناعية، عندما تحققت بدأ من القرن الثامن عشر وبالتالي ما مدى أهميتها المتواصلة حتى اليوم؟.

أولاً: بفضل إنشاء المدن وتغير هيكلية شبكات النقل ورفع إنتاجية الآليات من سيارات وشاحنات وغيرها، تحقق انخفاض كبير في تكلفة النقل. ما زالت التكلفة تنخفض حتى اليوم خاصة في النقل الجوي، حيث انخفضت التعريفات كثيراً خاصة في الأسواق التي ترتفع فيها المنافسة. تنخفض التعريفات في الشحن حيث تنقل البضاعة في سفن كبيرة وتجمع في حاويات لتخفض تكلفة إيصال السلع عبر البحور. إنشاء المدن يفرض اعتماد قوانين لحماية المنافسة، إذ هنالك خطورة من سيطرة شركات كبيرة وقليلة على كل الأسواق.

ثانياً: زيادة وفورات الحجم بسبب التكنولوجيا التي تطور وتسرع طرق الإنتاج. في المدن الصغيرة والريف لا يمكن الاستفادة من الحجم، وبالتالي لا بد من أسواق كبيرة تؤمنها المدن الكبيرة للمصانع أينما وجدت. تطور التكنولوجيا مربك للإنسان الذي عليه مواصلة التعلم والمتابعة مهما كبرت سنّه. تطور الذكاء الاصطناعي مربك في توسعه إلى كافة القطاعات، مما يهدد الوظائف ويسمح بنشر كل المعلومات الخاصة، أي يهدد الأخلاق وطرق التعامل بين المواطنين كما بين المواطن والدولة.

ثالثاً: نتج عن الثورة الصناعية منذ بدايتها، وما زال تطور القطاع الصناعي في إنتاجيته وتنوع سلعه بالرغم من أن نسبته من ناتج الاقتصادات انخفضت لصالح قطاع الخدمات. لا يكفي اليوم أن ننتج، بل هنالك النقل والتسويق والتمويل والتأمين وغيرها والتي تؤثر في واقع ومستقبل القطاع الصناعي. كذلك الأمر زراعياً حيث تتوافر كل السلع، إنما دور الزراعة في الاقتصادات انحدر أيضاً لصالح قطاع الخدمات.

رابعاً: انتقال الإنسان للعيش في المدن، سهّل تطور قطاع الخدمات وسمح للقطاعين الزراعي والصناعي بأن يوزع إنتاجه بأقل تكلفة على سكان المدن. تطور المدن سمح بتحقيق وفورات الحجم أي تخفيض التكلفة ودفع الشركات إلى تطوير وسائل النقل ورفع إنتاجية الإنتاج في كل القطاعات. بالرغم من أن المدن لا تحتوي اليوم على زراعات وصناعات، بل تحتوي فقط خدمات إلاّ قليلاً، فإن استحداث مدن كبيرة يبقى مهماً دون أن ننسى مواضيع التلوث والبيئة والفقر وتفشي الجرائم في بعضها.

فالتطور المدني مهم للأسباب المذكورة أعلاه بالإضافة إلى أنه يشكل حلقة تواصل كبرى بين المواطنين، مما يشكل موقعاً لنقل العلم والمعلومات والعلوم. وجود المعاهد والجامعات الكبيرة في المدن يسمح بنقل المعرفة والحوار بشأنها. انتشار حلقات الحوار والندوات في المدن ينقل المعلومات بتكلفة قليلة، إذ معظم هذه اللقاءات مجانية أو ما يقارب ذلك. فالتطور المدني يسمح بكل ذلك ويعطي فرصاً للشركات لتخفيض تكلفة إنتاجها وتسويق منتجاتها وخدماتها بتكلفة قليلة وبالتالي تكبر حجماً. من كان يعتقد أن شركات ك«جوجل» و«فيسبوك» ستكبر لتصل إلى الحجم الذي وصلت إليه اليوم.

النقاش الحاصل في الولايات المتحدة اليوم، هو حول تقسيم هذه الشركات وخاصة «فيسبوك» لتسهيل المنافسة ومنعها من السيطرة على أسواق المعلومات، إذ ما تقوم به يعتبر خدمة عامة كما هو حال الاتصالات والكهرباء والمياه. يخاف مجتمع التكنولوجيا اليوم من قوة رئيس «فيسبوك» الذي يملك 60% من أسهم الشركة التي أسسها، وبالتالي من سيطرته على الاقتصاد وخصوصيات المجتمع الأمريكي والدولي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"