الاقتصاد أم الهوية والوجود؟

03:21 صباحا
قراءة 3 دقائق

كان مجموع سكان دول مجلس التعاون الخليجي الست سنة 1975 حوالي عشرة ملايين، ونسبة الوافدين للعمل آنذاك 26%، بعد ثلاثين سنة، عام 2006 وصل مجموع سكان تلك الدول إلى خمسة وثلاثين مليوناً ووصلت نسبة الوافدين إلى 53%، في ثلاثة عقود تضاعف سكان كل دولة ثلاث مرات ماعدا الإمارات العربية التي تضاعف عدد سكانها ثماني مرات بينما ارتفعت نسبة الوافدين إلى الضعفين.

لو سارت الزيادة السكانية على المنوال نفسه فسيصل العدد الإجمالي لسكان الدول الست بعد ثلاثين سنة إلى مائة مليون، وسيكون عدد الوافدين آنذاك أكثر من ستين مليوناً، لكن الأمور مرشحة لأن تكون أكثر تعقيداً وخطورة لسببين: الأول يتمثل في أن الزيادة الحالية والمستقبلية للمداخيل النفطية ستقود إلى زيادة هائلة في وتيرة التنمية الاقتصادية والخدمية والتي بدورها ستحتاج إلى مزيد من العمالة الوافدة للقيام بمتطلبات تلك التنمية. أما السبب الثاني فيكمن في الهوس الحالي ببناء الأبراج الشاهقة ومجمعات سكن الرفاهية الضخمة لاجتذاب الملايين من الأجانب الوافدين وذلك للإقامة شبه الدائمة في ربوع بلداننا، بل ان مدن مجلس التعاون أصبحت تتبارى في ما بينها بشأن من يعطي أفضل التسهيلات لمن يرغب من الأجانب في شراء شقق وبيوت تلك التجمعات للإقامة في تلك المدن هم وعائلاتهم.

وبمعنى آخر فقد بدأنا عملية خطرة لتسهيل هجرة استيطانية إلى بلداننا تحت مسمى الاستثمار السياحي، وهي هجرة لن تقل في مضاعفاتها على المدى المتوسط عن الهجرة الاستيطانية التي ابتلعت فلسطين تحت مسمى تحقيق الوعد الإلهي لليهود، من هنا فلن يكون مستغرباً أن يصل عدد سكان دول المجلس الست خلال ثلاثين عاماً إلى حوالي مائة وخمسين مليوناً وأن تصبح نسبة الأجانب من الوافدين للعمل والراغبين في الإقامة شبه الدائمة لأسباب مختلفة حوالي 80% من إجمالي السكان أي حوالي مائة مليون غير مواطن.

هل تبدو الصورة قائمة وأقرب إلى الخيال؟ أبداً إنها قراءة واقعية لما نسير نحوه بخطى حثيثة والذي سيحمل أخطاراً سياسية واقعية لما نسير نحوه بخطى حثيثة والذي سيحمل اخطاراً سياسية واجتماعية وثقافية كارثية، كتب عنها الكثيرون. ما هو الحل؟ هناك ثلاث خطوات يمكن أن تساعد في تخفيف هذه الظاهرة:

* أولاً: وجود برنامج تدريبي وإعادة تأهيل لكل المواطنين بصورة دائمة ومكثفة بحيث لا يبقى مواطن عاطل عن العمل بسبب ضعف المؤهلات وبحيث تجري عملية إحلال واسعة لأكبر عدد من الوافدين غير العرب.

* ثانياً: هناك حاجة لتفكير استراتيجي بشأن استجلاب عدد كبير من العمالة العربية والاستثمار المكثف في تدريبها ثم توطين الصالح منها، ان نسبة العمالة العربية من إجمالي الوافدين لم تزد عبر كل العقود الماضية على 25% وهي نسبة ضئيلة.

* ثالثاً: الفصل التام بين حق ملكية العقار للأجنبي وحقه في الإقامة شبه الدائمة، ففي الأغلبية الساحقة من دول العالم يستطيع الإنسان الأجنبي أن يشتري ما يشاء من العقار ولكنه لا يحصل على حق الاقامة المؤقتة أو الدائمة، إلا بتوفر شروط أخرى سياسية وثقافية تحافظ على سلامة وهوية تلك المجتمعات.

عبر القرون دأبت قوى خارجية وداخلية على قضم أجزاء من الوطن العربي ونجحت في ذلك، قمة ذلك القضم ما حدث في فلسطين وما يجري من محاولات في السودان والعراق والصومال، وفي اعتقادي ان محاولة القضم القادمة ستكون في دول مجلس التعاون. يجب التذكير بأن عدد اليهود في فلسطين في الثلاثينات من القرن الماضي كان 6% ومع ذلك نجحت عملية الاستيطان الصهيوني، فكيف الحال عندنا والنسب عالية وتدفق غير العرب في ازدياد هائل. مسؤولو دول الخليج العربي وشعوبها يحتاجون إلى تفكير أكثر من اقتصادي، تفكير يدافع عن الهوية والوجود قبل فوات الأوان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"