الاقتصاد التركي والأزمة مع واشنطن

03:55 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد نورالدين

قام مشروع حزب العدالة والتنمية عندما جاء إلى السلطة عام 2002 على رافعتين أساسيتين:مشروع الإصلاح الداخلي ومشروع الانفتاح على الخارج.
في النقطة الأولى كان لتعزيز الحريات والديمقراطية والانفتاح على المكونات العرقية والدينية أثر مباشر لبدء الاتحاد الأوروبي مفاوضات العضوية المباشرة مع تركيا في العام 2005.وفي النقطة الثانية كانت لسياسة «صفر مشكلات» نتائج مهمة على نمو الاقتصاد التركي حيث انفتحت الأسواق للمنتجات التركية وتعززت السياحة والاستثمارات في تركيا.
ولكن عندما انكسر مشروع الإصلاح الداخلي وعندما تحولت سياسة «صفر مشكلات» إلى سياسة «مئة بالمئة مشكلات» وعداوات مع الجيران ولم يبق لتركيا صديق في المنطقة كلها سوى قطر، فقد انعكس ذلك تراجعا للاقتصاد التركي حتى إذا هبت رياح خارجية تأذى الاقتصاد التركي بهذه النسبة أو تلك.
مع انفجار أزمة القس اندريه برانسون في مطلع آب/أغسطس الجاري،انكشف الاقتصاد التركي على بعد جديد هو الضغط الأمريكي على الليرة التركية عندما أنذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تركيا بأنه إذا لم تطلق سراح القس برانسون فإنها ستتعرض لعقوبات بل صعّد لاحقا بالقول إنه سيخنق تركيا.
تراجعت الليرة التركية بمقدار 40 في المئة خلال أيام قليلة وبعدما كان الدولار يساوي خمس ليرات أصبح يساوي سبع ليرات قبل ان تتحسن الليرة التركية لاحقا بعض الشيء.
حتى الآن لم يطرأ أي تطور يفتح على القول أن الأزمة في طريقها للحل. مع ذلك يمكن القول إن العلاقات التركية- الأمريكية محكومة بالحل والتوصل إلى تفاهمات جديدة تعيد إرساء العلاقات على أسس جديدة تبقي في النهاية تركيا جزءاً من المعسكر الغربي.وهذه رغبة تركية وأمريكية وأوروبية في الوقت نفسه.
فتركيا تدرك أن علاقاتها مع الغرب هي أساس تطورها الحديث على مختلف الصعد ، ولو أخذنا فقط الناحية الاقتصادية لأشرنا إلى أن 45 في المئة من حجم التجارة الخارجية التركية هو مع الاتحاد الأوروبي و6 في المئة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وبالتالي فإن تركيا لا تستطيع حتى لو أرادت أن تتخلى أو تحوّل اقتصادها فجأة إلى دول وأسواق أخرى قد لا تستطيع استيعاب الوافد الاقتصادي الجديد.
كذلك ،فإن دعوة أردوغان إلى تحويل التعامل بالعملة إلى الليرة التركية أو عملات الصين وروسيا هي دعوة افتراضية غير واقعية إذ إن 48 في المئة من تجارة تركيا هي باليورو و 42 في المئة هي بالدولار وبالتالي لا فكاك لتركيا من استمرار التعامل بالدولار واليورو.
في المقابل ، فإن تركيا تبقى حاجة استراتيجية لأوروبا والولايات المتحدة فهي تشكل حاجزاً جغرافيا وأمنياً واجتماعياً بين الغرب ودول الشرق الأوسط والقوقاز المتفجرة حتى إذا انتفت الوظيفة التركية هذه بانتقالها إلى معسكر آخر روسي- صيني- إيراني مثلا فإن أوروبا والغرب سيكونان منكشفين على كل أنواع المخاطر. من هنا مسارعة ألمانيا وكذلك فرنسا ودول أوروبية أخرى إلى دعم تركيا ضد الولايات المتحدة واعتبار استقرار الاقتصاد التركي في صالح الاقتصادات الأوروبية. وعلى هذا فإن تركيا تستفيد أكثر من شبكة مصالح كبيرة مع الاتحاد الأوروبي أكثر من مصالحها مع روسيا وإيران في معركتها الحالية مع واشنطن.
وإذا انطلقنا من بعض السوابق التاريخية فإن أزمات أكبر قد حصلت بين أمريكا وتركيا وانتهت إلى مصالحات وتسويات ولو بعد عدة سنوات.
لذلك ، فإن التصعيد بين أطراف الأزمة الحالية لا أفق له.فتركيا لا تملك بدائل واقعية عن وضعها الحالي ، والولايات المتحدة،كما أوروبا، لا يمكن أن يذهبا بعيداً جداً لدرجة خسارة تركيا وتسليمها لقمة سائغة إلى روسيا في معركة الصراع على زعامة النظام العالمي. لذا فالأزمة الحالية محكومة بالتفاهمات والتسويات وتغيير السلوكيات، ولو طالت بعض الوقت.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"