الانتخابات في زمن الخوف

02:46 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق
للهجمات الإرهابية التي وقعت في المدن الأمريكية الأسبوع الماضي نتيجتان مباشرتان على الانتخابات الرئاسية المقبلة. الأولى أنها أعادت قضية الأمن القوي مرة أخرى على رأس أولويات الناخب وفرضتها على جدول أعمال المتنافسين، بعد أسابيع من الاهتمام بمسائل شخصية مثل الحالة الصحية لهما. هذا التطور يصب في صالح المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.
النتيجة الثانية أن الانفجارات وعمليات الطعن الأخيرة جددت مخاوف الأمريكيين من الإرهاب، وأعادت تذكيرهم بأنه هو وليس أي شيء آخر، الخطر الأكبر الذي يواجههم. وهذا التحوّل في صالح المرشح الجمهوري دونالد ترامب.
منذ انطلاق الحملة الانتخابية قدمت هيلاري نفسها باعتبارها الأقدر على قيادة البلاد، لأنها صاحبة الخبرة الطويلة في الفرعين التشريعي والتنفيذي للدولة. ونجحت في إقناع الناخبين بأنها واحدة من الصقور الديمقراطية النادرة.
وخلافاً لمعظم المرشحين الديمقراطيين رسّخت الاعتقاد العام بأنها بخبرتها وصلابتها أفضل من يدير ملف الأمن القومي، وهي مكانة احتكرها الجمهوريون، وتعد إحدى نقاط قوتهم التقليدية. ليس لترامب سابق خبرة لا في السياسة الخارجية، ولا الأمن القومي، ولا الإدارة. وعبّر عن ذلك أحد المعلّقين بقوله إن هيلاري تفتقد العديد من الإمكانات والقدرات الخاصة بالقيادة والأمن والقومي، ولكن ترامب يفتقدها جميعاً. غير أن ترامب لديه مواهب أخرى يعوّض بها هذا النقص المعيب في مؤهلاته كمرشح.
واحدة من أهم مواهبه أنه استطاع أن يقنع الناخبين بأن السياسيين التقليديين بكل ما يتشدقون به من قدرات فاشلون. وأنهم جزء من الأزمة وليسوا جزءاً من الحل، وبالتالي فقد حان الوقت للتغيير. وليس أفضل من شخصية مثله، لا تنتمي لهؤلاء ، لكي تتولى القيادة. الموهبة الأخرى التي برع فيها هي أنه عزف بمهارة على أوتار الخوف في نفوس الأمريكيين.
الخوف من الإرهاب ومن الغرباء سواء كانوا مسلمين أو مكسيكيين أو غيرهم، لأنهم يزاحمون الأمريكيين في الوظائف بل يهدّدون حياتهم. وبعد الهجمات الأخيرة بدا الأمر وكأن ترامب كان على صواب. رسالته التي وصلت للأمريكيين حتى قبل أن يتلفظ بها هي «ألم أقل لكم وأحذركم منذ البداية، هذا ما كنت أعرف أنه سيحدث». والنتيجة المباشرة أنه أصبح في نظر الكثيرين الملاذ الآمن من الإرهاب. ولو قيّض لهذا الملياردير السبعيني الفوز في الانتخابات فلن يكون ذلك إلا من خلال بث مشاعر الخوف وترسيخها. وقد أدرك هذه الحقيقة منذ البداية.
وبعقلية التاجر الماهر لم يضع وقتاً ولا فرصة لاستثمارها والاستفادة منها، فلا يملك بضاعة غيرها ليروجها. حتى أن مجلة «أطلانتك» الشهيرة وصفته بأنه مرشح الخوف وأستاذه. بينما وصفته «واشنطن بوست» بأنه مرشح الفوضى، أي تلك الحالة من الاضطراب التي تتزامن مع القلق العام بسبب العمليات الإرهابية.
بالفعل هذه واحدة من أبرع قدرات ترامب الذي استطاع أن يستحضر الخوف في صور وأنماط مباشرة، ويجعله جاثماً على صدور الأمريكيين وماثلاً أمام أعينهم في كل لحظة. ما يفعله ترامب ليس اختراعاً جديداً. والتاريخ يقول إنه في زمن الخوف تتغير الأنماط التقليدية للتفكير واتخاذ القرار لدى الناس العاديين. كل شيء يصير استثناء في هذه اللحظة.
وترامب يجسد الاستثنائية في حياة الأمريكيين حالياً. وعندما يشعر الإنسان بالذعر يندفع إلى من يلتمس لديه الطمأنينة حتى ولو كانت سراباً. وهنا ينتظره ترامب. ومن حسن حظ المرشح الجمهوري أن ثلثي الأمريكيين في الوقت الحالي لديهم قلق من تعرضهم للإرهاب أي ضعف نسبتهم قبل عامين. بينما يشير معهد جالوب إلى أن نسبة القلقين من الجريمة والإرهاب هي الأعلى منذ 15 عاماً.
وتؤكد الاستطلاعات بالفعل استفادة ترامب من هذا الذعر الجماعي حيث تشير إلى أن 65% من مؤيديه قلقون من أنهم أو أحد أقاربهم سيكونون ضحية للإرهاب.
بينما لا تزيد النسبة بين عموم الأمريكيين على 51%. كما أن 75% من مؤيديه قلقون من تعرضهم للعنف ولا تتجاوز النسبة العامة 63%. ويخشى 83% من أنصاره من النفوذ الأجنبي مقابل 55% لعموم الأمريكيين. تعني هذه الأرقام ببساطة أنه كلما زاد عدد الخائفين كلما ارتفعت شعبية ترامب ، لأنهم يندفعون ناحيته بلا تفكير.
وعندما يشيع الخوف سيتجاهل المذعورون كل ما قيل لهم عن قلة كفاءته وانعدام خبرته ونقص مؤهلاته. ولن يلتفت أحد إلى ما تروج له هيلاري من استراتيجيات واقعية أو سياسات قابلة للتطبيق. وسينسى الناخبون كل ما يشاع عن خبرتها الطويلة. إنه زمن الخوف، وترامب هو الترياق.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"