البطل سيركب حصاناً متعباً

05:46 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبادة الفرد وشخصنة أحداث التاريخ الكبرى واختزالها في بطل قائد هي عادة ذهنية كسولة عند كل البشر، فالإنسان بطبعه يفضل أن ينظر إلى ما حوله بتثاؤب يقيه بذل الجهد والطاقة، هذا ما يتمثل الآن في الترحيب الهستيري بانتخاب الرئيس الأمريكي الجديد، فالرئيس أوباما شخصية كريزمية ذكية متقدة بالحيوية والأحلام الكبيرة وملتزمة إلى حد كبير بقضايا الفقراء والمهمشين، هذا واضح في الكثير من خطاباته ومواقفه، واعتقد أن الأيام القادمة ستثبت ذلك.

لكن تبسيط المشهد الأمريكي بهذا الشكل المخل والاعتقاد بأن فرداً ما سيكون قادراً على تغييره هو أمر يجب تجنبه خصوصاً من قبلنا نحن العرب، فما الذي سيبقى من البطولة والالتزام أمام مجموعة كبيرة من المستشارين والموظفين الكبار البيروقراطيين الذين سيحيطون بالرئيس في كل مكان ويدخلونه في قفص الانتهازية الواقعية والاعتدال والتوازن والمصالح الوطنية العليا؟ ما الذي سيستطيع المتحمس فعله أمام أعضاء الكونجرس ومجلس النواب الذين يخضعون لضغوطات جماعات المصالح الداخلية والخارجية عندما يترجمون ذلك إلى مواقف في المجلسين تجاه القوانين والمشاريع التي يتبناها الرئيس؟ من الذي يستطيع العمل في أمريكا من دون تناغم وانسجام مع المؤسسة المالية الصناعية العسكرية الاعلامية الأمريكية البالغة القوة والتأثير والقادرة على تحجيم أي رئيس أمريكي مهما كانت شعبيته ومحبة الناس له؟

ثم ما الذي سيفعله أوباما مع الخزينة الأمريكية المثقلة بالديون، الخاوية على عروشها في الوقت الحاضر، غير القادرة على الالتفات لحاجات المسحوقين الفقراء في بلد العسل الأمريكي؟ إذاً فالبطل سيركب حصاناً متعباً، مثخناً بالجروح والأوجاع، غير قادر على صعود الجبال الوعرة.

كل الحقائق السابقة ستجعل حركة الرئيس الجديد محدودة النطاق، لكن الجانب الآخر من موضوع الانتخابات الأمريكية يجب أن يوضح، ذلك أن هستيريا الفرح والترحيب بأول رئيس أسود تخطئ إذ تعتقد ان المجتمع الأمريكي قد انقلب من حالات الانحيازات العرقية ضد السود والأقليات الأخرى، وأصبح متسامحاً ديمقراطياً قادراً على ممارسة العدل في اعطاء الفرص لكل أبنائه، لقد صوت اثنان وخمسون في المائة من الأمريكيين للرئيس الجديد، فما نسبة الذين صوتوا باسم الديمقراطية العادلة الفاتحة أذرعها لكل أمريكي مهما كانت أصوله العرقية، ومهما كانت ديانته، وما نسبة الذين صوتوا ضد الجحيم الذي أدخلهم فيه الرئيس بوش وجماعات اليمين الأصولي المتطرف التي أحاطت به؟ فالأمريكيون خُيّروا بين استمرار الفواجع التي عاشوها عبر ثماني سنوات عجاف مليئة بالجهل والجنون إذا صوتوا لماكين الجمهوري وبين امكانية خروجهم من ذلك الجحيم إذا صوتوا للرجل الأسود غير الأنجلوسكسوني، إنه من المؤكد ان تاريخ أمريكا الذي تلون بتعصب فاحش ضد أشكال من الأقليات التي هاجرت إلى بلد الفرص، ومنهم الايرلنديون واليهود واليابانيون وبالطبع السود، إن هذا التاريخ لن يصل إلى نهايته بهذه السهولة، وبالتالي فالمهللون بأن فجراً جديداً للديمقراطية الأمريكية قد بزغ يجب أن يضبطوا عواطفهم المتفائلة، إن التعصبات والانحيازات والتمييز في أمريكا هي راسخة وعميقة الجذور، دعنا نستعد ما حل بالعرب والمسلمين الأمريكيين من عنف مادي ومعنوي وحملات اتهامات ظالمة وأصوات تنادي بترحيلهم، وذلك بسبب مأساة الحادي عشر من سبتمبر/أيلول المشؤومة التي لم يكن لهم فيها يد ولا حيلة، حتى نعرف كم هو سهل إشعال حرائق التعصب والكراهية في المجتمع الأمريكي.

إن ظاهرة نجاح أوباما شيء وحقيقة المجتمع الأمريكي شيء آخر، وعلينا أن ننتظر لنرى، وحتى ذلك الوقت لا نملك إلا الدعاء للبطل الأمريكي الجديد بأن تتحقق بعض من أحلامه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"